زيارة موقع: "ذاكرة السودان" خطوات لرقمنة أرشيف البلاد

26 سبتمبر 2022
واجهة "متحف السودان القومي" في الخرطوم، آب/ أغسطس 2020 (Getty)
+ الخط -

باتت مسألة حفظ الوثائق وأرشفتها من ضرورات صيانة التراث في كلّ بلد، كما أنّ الأمر قد صار مُرتبطاً بالوسائل التقنية الأكثر تطوّراً؛ ومن هنا، فإنّ عملية الأرشفة لم تعُد مقتصرة على التخزين المباشر، إنّما تحوّلت إلى بناءٍ مُشيّد ـ إنْ صحّ التوصيف ـ ومكوَّن من طبقات تبدأ بما هو لا مادّي، وتمرّ بالقنوات الملموسة من هيئات ومبادرات، وتنتهي عند الرقمنة الإلكترونية، بوصفها الوسيلة الأنجع في عصرنا للحفاظ على الوثائق من التلف والضياع.

"ذاكرة السودان" www.sudanmemory.org عنوان لمشروع ينطلق من هذا الفهم في التعامل مع التراث والوثائق التاريخية بغاية حفظها؛ خاصّة أنّ السودان قد تعرّض للكثير من الحروب في تاريخه المُعاصر، وهذا ما هدّد تلك الذاكرة مراراً، إلى جانب ما تعانيه البلاد من نقص اهتمام بهذا الجانب الأصيل من الثقافة، وما تحتاجُه من تقنيات رافدة وبُنية تحتية قويّة.  بدأ العمل على المشروع عام 2018، في تعاونٍ بين "الجمعية السودانية لأرشفة المعرفة" والخبيرة في رقمنة الوثائق مارلين ديغان، من "كلّية كينغز" في لندن، إلّا أنّ الموقع الإلكتروني - الذي نزوره هنا - لم يرَ النور إلّا في نيسان/ إبريل من هذا العام. 

تنقسم واجهة الموقع، المتوفّر باللغتين العربية والإنكليزية، إلى سبعة تصنيفات. تُطالعنا في البداية "الرئيسية"، مع صورة مأخوذة كخلفية من "متحف بيت الخليفة" في أم درمان، ورغم أنّ تصميم الموقع سلس وفيه حرصٌ على جذب الزائر بصرياً، لكنّ هكذا صورة لا تبدو خياراً موفّقاً لأنّها لا توحي بالكثير حول محتويات الموقع، إذ تقتصر على مجموعة من الصناديق القديمة التي تتعشّقها الأتربة.

بالانتقال إلى التصنيف الثاني، "المجموعات"، فإنه تصنيف ضخم تندرجُ ضمنه مئات المواضيع، مثل تناوله لـ"بيت التراث" في مدينة عبري، ومجموعة عن "دار الوثائق القومية" بالخرطوم، و"استديو الرشيد" في عطبرة، الذي تأسّس في أواسط الأربعينيات على يدي الرشيد مهدي (1923 - 2008). كذلك يعرض هذا التصنيف لمصوِّرِين أجانب اتخذوا من السودان موضوعاً لاشتغالاتهم، مثل فريدريك سيفوينتس، وهي منتجة وسائط متعدّدة فرنسية أقامت عدداً من المعارض الفوتوغرافية التي تعتني فيها بكلّ ما له صلة بالسودان بين لندن وباريس والخرطوم، ومنها: "أسبوع أدب جنوب السودان"، و"مفردات السودان". كما يعرض هذا التصنيف مجموعة غريزالدا الطيب، زوجة اللغوي والباحث عبد الله الطيب (1921 - 2003)؛ كما تشمل الزاوية قرابة الخمسين مجموعة ما بين صحف ومجلّات ومتاحف ودُور سينما وشخصيات.

آلاف المواد التي توثّق جوانب من ثقافة السودان وتاريخه

أمّا في زاوية "العناصر البارزة"، فنقع على عرضٍ لصور نادرة لمشاهير البلد في الثقافة والفنون عموماً، ويتصدّر الواجهة غلاف ألبوم "قال لينا مسافر" لـ"فرقة البلابل" التي ضمّت الأخوات طلسم (آمال وهادية وحياة) اللواتي صعد نجمهنّ في سبعينيات القرن الماضي. وهناك توثيق لرسائل تعود للمرحلة المهدية أواخر القرن التاسع عشر، وصور نساء يشاركن في حولية الشريفة مريم الميرغنية (1967 - 1952)، إحدى رائدات النسوية الشعبية في البلد، وصور من افتتاح "خزّان (سدّ) سنار" (1926)، وصور لنساء من قبيلة البرقد الفورية، ولأُخريات من قبائل البجا في الشرق، ومغنّيات جنائزيات من الفونجور جنوباً، وليس انتهاءً بمجموعة صور توثّق الجدارايات التي انتشرت في الخرطوم إبّان الثورة الشعبية الأخيرة وإسقاط النظام العسكري (2019). أيضاً يحتوي هذا التصنيف على عدد هائل من صور ومواضيع تشتمل على نواحي أنثربولوجية وعادات مختلفة من بلد يمتاز بمساحته الجغرافية الكبيرة.

ثمّة حيّز أوسع للكتابة والمقالات في التصنيف الرابع "القصص"، وفيه تُنشَر النصوص والمواضيع ـ وعددها ثلاثون ـ مشفوعة بالصور دائماً، وأغلبها يغطّي فترات سياسية واجتماعية مهمّة طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين. كما يعرض القسم لقصص فيها جوانب متعلّقة بالجغرافيا، وبالأخصّ الحكايات والتجارب التي يحضر فيها نهر النيل بقوّة، أو جزيرة توتي التي تقع عند ملتقى النيل الأبيض بالأزرق قرب العاصمة الخرطوم. 

يعرض الموقع اشتغالات مصوِّرِين أجانب وليس المحلّيين فقط

ومن أميز المواضيع التي تمكن القراءة عنها: "مدرسة الخرطوم: أوّل مدرسة سودانية في الفنون الحديثة"، و"ليو المحظوظ: أسد هوليود السوداني"، و"السينما في السودان: مؤانسات مع جاد الله جبارة"، ومواد توثيقية عن الإنفلونزا الإسبانية" وردت في صحيفة "سودان تايمز" (1919)، إلى جانب المواضيع المتعلّقة بالمطبخ السوداني والأفريقي وأطباقه ومشاريبه الأساسية مثل: الكِسرة، والآبري (الحلو مر)، والآغاشيه، وغيرها.

بدوره، يقترح باب "الموضوعات" طريقة لاستكشاف الموقع من خلال تجميع المواضيع المُشتّتة تحت عناوين رئيسية تُقارب 18 عنواناً، وتندرج تحت كلّ منها مئات، بل آلاف الصور والوثائق التي تعبّر عن المجهود الحقيقي في تخزين ورفع كل هذه المواد على الإنترنت.

التصنيف الأخير، "عن الموقع"، فيه تفاصيل عن فكرة المشروع وبداياتها عام 2013، ثمّ بدء المشروع وانطلاقه على الأرض عام 2018، ثم ولادة الموقع الإلكتروني عام 2022. وهناك قائمة خاصّة بالمساهمين تضمّ أكثر من 30 جمعية ومتحفاً ومبادرة محلّية، على رأسها "الجمعية السودانية لتوثيق المعرفة" (سوداك)، إلى جانب 500 مساهم بين باحث ومترجِم ومصوّر فوتوغرافي، وغيرهم من المتطوّعين أو الموظّفين السودانيين والأجانب.

المساهمون