منذ السبعينيات، بدأ الفنان الباكستاني المُقيم في بريطانيا رشيد آراين (1935) تقديم أعمال تتضمّن رؤيته لموضوعات ما بعد الاستعمار مثل الهوية والتمثيل والعنف العنصري، بموازاة إصداره مجلة "بلاك فونيكس" التي اهتمّت بوجهات نظر العالم الثالث حول الفنّ والثقافة المُعاصِرَين.
وانحاز إلى "حركة الفهود السود" منذ إنشائها عام 1966، ومواقفها المعادية للتمييز العنصري في الولايات المتحدة والمؤيّدة لحركات التحرّر الوطني في العالم، ثم ركّز جهوده بعد ذلك على حقّ الفنّانين من أصول أفريقية وأميركية لاتينية وآسيوية في التمثيل داخل المؤسسات الثقافية البريطانية.
حتى الرابع من الشهر المقبل، يتواصل في "غاليري غروسفينور" بلندن، معرضه الجديد تحت عنوان "هياكل"، والذي افتُتح في السابع من الشهر الجاري، والذي يتضمّن مختارات من تجربته الممتدّة على مدار أكثر من خمسين عاماً.
تُشكّل الهياكل الهندسية العنصر الأساسي في أعمال آراين، والتي يتم فيها ربطُ الخطوط الرأسية والأفقية معاً بشبكة من الأعمدة (مثل الدعامات المستخدمة لتقوية الإنشاءات الهندسية الشبكية) في إحالة إلى الروابط بين الفكر الشرقي والغربي، وكذلك تُعبّر عن أُطر المؤسّسات الاجتماعية وعِلم الجمال.
استفاد الفنان من مجال عمله مُهندساً مدنياً في البتروكيماويات، وكانت من أولى الأفكار التي اشتغل عليها، هي إنتاج وعي نقديّ جديد للتكنولوجيا المعاصرة رفضاً لاحتكارها، كما آمن بأنه "لا يجب تصنيع الفنّ فحسب، بل يجب إنتاجُه بكميات كبيرة لجعله في متناول الجميع، بحيث لا يعود الفنّ في النهاية شيئاً مقدّساً/ ثميناً، ولكن يصبح فكرة من مبادئ تعليم الأفراد المهمَّشين.
بناء على رؤيته هذه، استبعد آراين من العديد من المعارض والتظاهرات الفنية، آنذاك، بفعل مناخ العنصرية الذي كان سائداً في المؤسسات الغربية، والبريطانية منها، فقام بتطوير رؤيته للحداثة عبر تقديم لوحات تجريدية تعتمد على فنون العصر العبّاسي، مستنداً إلى بداياته حيث رسم قوارب في ميناء كراتشي بأسلوب تجريدي في سلسلة أعمال، ثم قام بالطريقة نفسها برسم معمار مدينة حيدر أباد بفنونه الإسلامية.
في هذه الأعمال التجريدية، تبرز الهندسة والفنون الزخرفية بتنويعاتها المختلفة، وكذلك اهتمامه باللون ضمن تشبّعه بالتراث الإسلامي، أكثر من تركيزه على الخطوط خاصة ما ظهر لدى روّاد التجريدية التعبيرية في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وانسحب أسلوبه أيضاً على أعماله التركيبية والنحتية.