رحيل راسل بانكس: الكتابة أبعد من أميركا وعالمها الصغير

11 يناير 2023
راسل بانكس في باريس، 2012 (Getty)
+ الخط -

لم تكن الطفولة التي عاشها راسل بانكس بالهيّنة. فالروائي، الذي وُلد في عائلة تعيش فقراً مدقعاً عام 1940، سيرى والده يُغادر المنزل، دون عودة، وهو في الثانية عشرة من العمر. وبعد سنوات قليلة، سيكون على الفتى العمل في مهنة أبيه نفسها لتأمين مصروفه واحتياجاته: أي مهنة السمكري، أو السبّاك.

وربما لم نكن لنسمع براسل بانكس، الذي كان ليُكمل عمله، مثل ملايين الكادحين، في الظلّ، لو لم تعرف حياته انقلاباً وهو في الثانية والعشرين من عمره، حين رأى إعلاناً للمشاركة في ورشة كتابة إبداعية يقوم عليها الروائي نيلسون آلغرن، وهي لحظة ستكون حاسمة في مغادرته مِهنته في التصليحات والتمديدات الصحية، والانتقال إلى الكتابة وعالمها.

عن اثنين وثمانين عاماً، رحل راسل بانكس، يوم السبت الماضي، السابع من الشهر الجاري، في نيويورك، لتخسر الولايات المتّحدة، ومعها عالم الكتابة بشكل عام، واحداً من أبرز الروائيين الذين كتبوا بالإنكليزية خلال العقود الأخيرة، ومن أكثرهم وقوفاً إلى جانب المهمّشين والمستضعفين والقضايا العادلة، ومن أكثرهم أيضاً معارضة للسياسات الأميركية وسياسات الدول والاقتصادات الكُبرى.

كان عضواً في "محكمة راسل حول فلسطين" التي دانت الاحتلال ووصفت جرائمه

وإذا كان الكاتب الراحل مديناً لآلغرين في دخول عالَم التأليف (حيث أُعجب صاحب "الرجل ذو الذراع الذهبية" بما كتبه الشاب خلال الورشة، وشجّعه على الاستمرار بالكتابة)، فإن كتاب بانكس الأوّل لن يرى الضوء إلّا عام 1975، وهو في الخامسة والثلاثين من العُمر، وكأنه لم يرد بناء تجربة أدبية على تشجيعٍ، أو على حماسة الشباب فحسب، بل انتظر سنوات لتصقل تجربتُه الحياتية كتابتَه. لكنّ المفاجأة كانت أن هذا العمل، الذي حمل عنوان "حياة عائلة"، ذهب إلى التجريب والسرد الرمزي، لا إلى الواقع مباشرة، عبر حكاية عائلة (أو عائلات) مَلَكية متخيّلة، والأزمات التي تجمع وتفرّق بين أفرادها.

غير أنّ ما بدا تمثيلاً واستعارة، في هذا العمل الأوّل، سيتكشّف في أعمال بانكس اللاحقة، ضمن لغة واقعية ونقدية وثيمات سترافق الكاتب حتى رحيله: غيابُ الأب، والتمزّقات العائلية، وذكورية المجتمع المفرطة، وكذلك الصراعات الطبقية، واستغلال المهيمنين لتعب ومجهود الطبقات الكادحة، هذه "المجتمعات السفلية" التي سيخصّص لها الروائي العديد من أعماله، ليصبح مع الوقت من أبرز الأصوات التي تصف وتدين توحُّش التمييز الاجتماعي والفروقات الاقتصادية في مجتمع أميركي لا يتوقّف عن ادّعاء العدالة والمساواة.

خلال ما يُناهز العقود الخمسة، نشر راسل بانكس عشرين كتاباً في السرد، بين رواية ومجموعة قصصية، إلى جانب عدد من الكتب في المقالة والشعر. كما عُرف الكاتب الراحل بموقفه المدافع عن القضية الفلسطينية والمنتقد بشدّة للاستعمار الاستيطاني الصهيوني، الذي ندّد به في العديد من كتاباته ومقابلاته. كما كان عضواً في "محكمة راسل حول فلسطين"، التي تأسّست عام 2009 على غرار "المحكمة" أو المحاكمة التي قام بها برتراند راسل، برفقة جان بول سارتر، حول حرب فيتنام منتصف الستينيات.

وقد قامت "محكمة راسل حول فلسطين" بتحقيقات وأبحاث حول الاعتداءات الإسرائيلية، ووصفت، خلال اجتماعاتها السنوية، ممارسات الصهاينة كجرائم ضد الإنسانية، وبأنها تسعى لإبادة الشعب الفلسطيني، فضلاً عن دعوة المحكمة الفاعلين الدوليين إلى إدانة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ودعوتها المجتمعات المدنية إلى مقاطعة الكيان الصهيوني.
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون