رحلة فلوبير إلى شرقيّ الجزائر عام 1858: طبيعة ساحرة ومدن ذكّرته بالشرق

05 نوفمبر 2022
مقاتلون من جيش الاستعمار الفرنسي يقتحمون قسنطينة، لـ أوجين فلاندان (Getty)
+ الخط -

ارتحل الروائي الفرنسي الشهير غوستاف فلوبير (1821 - 1880) خلال الفترة من 12 نيسان/ أبريل، حتى 12 حزيران/ يونيو من العام 1858، إلى الجزائر وتونس، في سياق الإعداد لكتابة روايته التاريخية "سلامبو" حول قرطاج القديمة. حيث استغرقه البحث المُضني أربع سنوات قبل أن يكتب عمله الاستثنائي ذا الشهرة الواسعة.
 
وبعد سنوات ضمَّن فلوبير كتابه التوثيقي الشهير، المعنون بـ"مراسلات"، مشاهداتِه في الجزائر وتونس، معتمداً لغة أدبية رفيعة، نقلها إلى العربية قبل عقد من الزمان الباحث فريد زاهي، وصدرت بعنوان "رحلة إلى الشرق: فلسطين ولبنان وقرطاج" عن دار "الكتب الوطنية" في أبوظبي.


من سكيكدة إلى قسنطينة

وصل فلوبير إلى ميناء سكيكدة الذي يسميه "فيليب فيل"، في منتصف شهر نيسان/ أبريل عام 1858، ويصف المدينة بقول: "وأنا أراقب البحر في العمق، أرى جزءاً من الجبل؛ صخرة، وفي اليمين، ثكنة جنود، والمدينة في الوسط. وفي الأسفل بيوت بسطوح من القرميد، وهي بيضاء وحديثة البناء. أنا تحت المسجد، الذي بُني على السفح الأيمن الذي يُدير الظهر للبحر. مررت بدرب الكبير، ثمّة ورود وصبّار، وزهور صغيرة بيضاء".

من سكيكدة سافر فلوبير إلى قسنطينة على متن عربة تُصلصل، كما يقول، وكان وراءه رجلان مالطيان، وجندي واحد من الأهالي المحلّيين، وواحد من جنوب فرنسا أو من إيطاليا، وقد وصف الطريق بقوله: "جوانب الطريق مليئة بأشجار الصفصفاف، والجبال واطئة، ما يجعل المنظر شبيهاً بوسط فرنسا. ونحن نصعد بالأرجل منحدراً، أشار جاري إلى ساحة رأى فيها، وهو يتبوّل مع مسافرين آخرين، ثلاثة أُسود رابضة بهدوء وسكينة، لقد كانت البلاد مليئة بها. توقّفنا وسط الليل في إحدى القرى. دخلنا مأوى يُشبه مأوىً إيطاليّاً، كان عبارة عن قاعة فارغة في الطابق الأوّل في عمق بهو. ثمّة مائدة طويلة، وطاولة شراب ورجال نائمون، ومخازن للشراب. المآوي التي تكون غاصّة بالناس تبدو للوهلة الأولى فارغة".

ويتابع وصفَه للمكان: "قلّت النباتات وكبرت الجبال، ونحن تابعنا صعودنا. كانت الجبال ذات خضرة غامقة على شمالي؛ أمّا جبال الأُفق فكانت قممُها مائلة للرمادي. بدأنا بالنزول؛ عرب بؤساء متلفّعون بالأسمال، ليس بينهم امرأة، يُلاحقون حُمُراً محمّلة بالأغصان المورقة. ثمّة بساتين على جانبي الطريق، شُجيرات ورود ونخلة قبيحة المنظر. معزة صفراء من غير قرون ترعى العشب في منحدر على اليمين، وقطعان ماعز. تتراكب الجبال في العمق الواحد فوق الآخر. درنا من اليسار كي نتوجّه لمدينة قسنطينة، وصعدنا على الأرجل الممرَّ اللامتناهي. كان أحد رفقائنا، وهو ساعاتي، يُعاني من عرج رهيب يصعد متعمّداً على عكّازه".


أشبه ببيوت الكلاب

عند أسوار قسنطينة يُصادف ساحةً غبراء غير مستوية تغصُّ بالعرب، ويقول "كانت أكواخهم أشبه ببيوت الكلاب وذات سقوف، ما يميّزها عن بيوت الفلّاحين. وهي من الحجر والطين، تعلو على الأرض بثلاث أو أربع أقدام. الأرضيّة شديدة الانحدار، والرجال يُشكّلون كتلاً هائلة بيضاء وسخة تطفو في الجو، وما كانت من سمرة في هذا البياض هي الوجوه، والسواعد والأرجل. ذلك يفصح عن فقر ولعنة كبيرتين؛ إنّهم أشبه بالملعونين المنبوذين في المجتمع. إنّهم أُناس كانوا يسكنون المدينة وطُردوا منها شرّ طردة".

فلوبير - القسم الثقافي
غوستاف فلوبير في بورتريه لـ أوجين جيرو (Getty)

ويضيف: "ولجنا المدينة من ساحة السلاح حيث كان الجنود 'الزواف' يمارسون التدريبات الاستعراضية، وأمامنا كان ينتصب هرم الجنرال الفرنسي دامريمون. احتشد حولنا مضيفو الفندق، إنّه فندق القصر".

يرافق فلوبير شاب جزائري يُدعى صلاح باي، هو حفيد باي قسنطينة السابق، في جولة قادته إلى أسواق المدينة التي ذكرته بأسواق وحوانيت الصعيد المصري، ويصف المكان بقوله: "كان الرجال كلهم يرتدون الأبيض ووجوههم سمراء. وأنا أشمّ، بل أعيد شمّ رائحة الشرق التي تُدغدغ أنفي من خلال هبّات ريح ساخن. قُمنا بزيارة ثلاثة مساجد، إنّها رطيبة الهواء والزرابي تجاور فيها الحصائر. وفي أحدها توجد أشجار تين في فناء يحضن بعض القبور، وفي 'جامع سيدي الأخضر' أشار لي صلاح باي إلى قبر جدّه، هُناك أيضاً قبور أخرى. في منطقة مُحاطة بسياج من الخشب ثمّة قبر نسوي مُحاط بالستائر الصفراء والخضراء. هُناك ترقد إحدى جدّاته، وهي عذراء متصوّفة تنكّفت عن الزواج، وصارت وليّةً صالحة. وقربها يرقد رجُلان، قادني صلاح باي حتّى ضفاف وادي الرمال قرب أنقاض القنطرة".


صيد الضباع

بعد ذلك يُحدّثنا عن نُزهة على متن الخيول، حيث رأى في المنحدر: "ثلاثة أشخاص نحيفين وغريبي المنظر. إنّهم أكلَة الحشيش وصيّادو القنافذ، وحين يصيدون منها واحداً يهيّئون لأنفسهم بها وليمة الليلة. وهؤلاء الرجال يصطادون الضبع حيّاً ويقودونه إلى قسنطينة ليطلقوه فريسة لنهش الكلاب. وهُم حين يرغبون تصيُّد الضبع يروحون إلى مغارته ويسدّون مدخلها بالقماش تاركين فقط ثقباً. ثمّ يُطلقون أصواتاً تُشبه الزغاريد، فيتقدَّم الضبع للمدخل، فيحدثه الصّياد: أيّها الضّبع ما أجملك، سنطليك بالحنّاء ونُقدِّم لك زوجاً ومجوهرات.. إلخ. فيتقدّم الضبع، فيُدخل الرجلُ يده المطليّة ببعر البقر، ويحكُّ بها قدم الحيوان الذي يستحلي ذلك. فيضع في عنقه أُنشوطة يجرّها الرجال الآخرون خلفه فيشدُّونه ويكمّمونه".

ويضيف: "ترجّلنا عن مطايانا وداورنا الصخرة في درب مُحاطٍ بحاجر وولجنا وادي الرمال. ثمّة شلّالات، والقليل من الماء في مجرى النهر؛ وفي حائط الجرف هُناك ثقوب هائلة ذات لون أحمر للطّيور. وفي السماء تُحلّق الصقور في شكل دوائر. إنّها سفينة طبيعية بعلوٍّ ينيف عن المئة قدم، ومن هُناك كان سكّان قسنطينة قد فرّوا حين تمّ احتلال مدينتهم، نازلين بالحبال. أمّا الباي، فإنّ لوحة الفنّان الفرنسي جوزيف كورت المُعلّقة لديه مزيّفة، ثمّ هُناك ما يشبه النفق، وحين نتابع المسير نصل إلى القنطرة".

ويقول إن نهر الرمال يُذكّره بنهر منطقة غافارني، ونهر سان سابا في فرنسا "أحياناً يتّسع الصخر بطريقة بهلوانية، إنّه مكان خلّاب وشيطاني. فكّرت في يوغرطة إذ إنّ قسنطينة تلائم مزاجه. وعلاوة على ذلك فقسنطينة مدينة حقّة بالمعنى العتيق للكلمة".


من سكيكدة إلى عنابة

يعود فلوبير مرّة أُخرى إلى سكيكدة التي يصلها في السادسة صباحاً، فينام عميقاً حتى الثالثة بعد الظهر، ويقول إنه زار حديقة السيد نويلز قبالة البحر، "رائحة الورود المتفتّحة عابقةً. ثمّة فسيفساء وُجدت في عين المكان تمثّل امرأتين، إحداهما جالسة وتقود غُولاً بحريّاً له منقار نسر؛ والأخرى جالسة تقود فرساً. وبين الأُذنين زهرتا سوسن تشكّلان لهباً أحمر. وهُناك راقصة ثالثة لها خلاخل في الرِّجلين، ورجلاها وفخذاها بالغا الرشاقة والحُسن في حركاتها، والرِّجل اليُمنى منهما على اليُسرى؛ والفضاء مزروع بالأسماك. البستاني الزنجي الذي قادني راح ليملأ مرشّةً، ورَشَّ الفسيفساء كي تظهر لناظري أفضل. غمرتني مسحة من الرِّقّة والحنان في هذه الحديقة. كان الوقتُ ضبابيّاً، والجنود على السطيحة قبالتنا يلعبون النفير".

رحلة غلى الشرق - القسم الثقافي

يقرّر فلوبير مغادرة سكيكدة إلى عنابة، هيبون القديمة، ولكنه يجد مشكلة في العثور على عربة. كان البحر هائجاً والزوارق كلّها أبحرت، كما يقول، فيمتطي عربة ذات عجلتين قادها بنفسه إلى شاطئ سطورة شمال سكيكدة. في السادسة صباحاً يركب متن سفينة، وفي الثامنة يرسون في رأس الحديد، ويقول إن الباخرة تُبحر ببطء شديد، حيث اضطرتهم الريح الشرقية لأن يُمضوا ليلهم في رأس الحديد، ولم يتوقّف الأمر عند ذلك بل مكثوا يومين إضافيين في قلعة جنوة بسبب الجوّ المتقلّب، وبسبب مروحة السّفينة التي علقت في سلسلة عوامة.


مدينة أوغسطين

ترسو السفينة بهم بعد ثلاثة أيام في عنابة، ذات الشاطئ الذي ينسحب منه البحر، ويقول: "كانت الجياد تعوم على مسافة كبيرة من الشاطئ. والفضاء كان قَفراً، وهيبون عبارة عن تلّ في وادٍ بين جبلين، مُنحنٍ شيئاً ما للشمال، صعدنا إلى القصبة. ثمّة سجناء عسكريّون يدكّون تُراباً أبيض في حرّ الشمس، كتابات مغيظة على الجدران بحيث دنّست كلّ شيء، السيّد دو بوفي والسيّد دو كرافت يعتبران أنّ ذلك أمر بسيط".

ويتابع: "الحاكم رجل رفيع القامة وأشقر ذو لحية صغيرة. والقِسُّ أشبه بالكاتب الفرنسي فينيلون، غير أنّه أسمر اللون. ونحن ننزل المنحدر، أبصرنا مُصلِّين يخرجون من 'كنيسة القدّيس أوغسطين'، حيث راحوا يبتهلون لله أن يزيد في أجرهم... أمضيتُ الليلة أدردش مع القائد، فهو يحفظ عن ظهر قلب العديد من أبيات الكاتب اللاتيني فرجيل، وفكتور هوغو. وهو أحد الفولتيريين القدماء الذين تحوّلوا إلى كاثوليكيين، بحيث إنّه يقوم بجميع واجباته الدينيّة. هل هو صادق في ذلك؟ إنّه رجل ذو جبهة عريضة، وذو حماس، بقامة قصيرة وشفاه سميكة تُنبئ عن فم شبقي".

ويمتدح فلوبير الليل اللطيف الرطب والمُقمر، ولكنه يقول إنّ القمر ينحجب بين الفينة والأُخرى، النجوم تلمع والبحر هادئ. ويضيف: "على يميننا نمرُّ أمام صخرة الأخوين اللذين يبدوان أشبه بفيلين ضخمين، أو بِفَرسي نهر، أو أيّ حوت غريب خارج لتوّه من البحر. هذه الكتل الصخريّة الهائلة تبدو مُخيفةً تحت ضوء القمر في الصحراء. الجروف التي تتوارى منذ سكيكدة تنتهي في الرأس الأبيض".


سوق أهراس

ويتابع فلوبير رحلته إلى تونس التي يمكث فيها عدّة أيام متجوّلاً في مدنها، وهو موضوع مقالنا القادم، وبعد أن ينتهي من زيارة تونس يصل إلى سوق أهراس الجزائرية، قادماً من مدينة الكاف التونسية. 

ويصف المدينة بقوله: "سوق أهراس مدينة جديدة، فظّة وباردة مُوحِلة، السيد دو سيرفال رجل نحيل وجاف. أندريو صاحب الفندق، وزوجته الضئيلة. نمتُ ونهضتُ ورحتُ لتناول العشاء. أُقيمت مائدة الضيوف، وجلس إليها الضبَّاط. قَذر وأبله هو مدير البريد بربطة عنقه الوسخة، وفي الصباح بدا السيد غوص مُصاباً بمسٍّ من الجنون لأنه يعتقد أن الكل يشتمه. ثمّة تشابهات بين طبيب الحيوان كاربنتييه في فيلقي، والسيد كونستان، وهو فارس طيّب وثخين من فرقة الخيّالة الذي يتناول الغداء معنا، ولا يفتأ يردّد: إنّه غذاء لذيذ".

آثار في عنّابة تعود للفترة البيزنطية، في صورة التُقطت أواسط القرن 19 (Getty)
آثار في عنّابة تعود للفترة البيزنطية، في صورة التُقطت أواسط القرن 19 (Getty)

يغادر فلوبير سوق أهراس يوم الخميس 27 أيار/ مايو 1858 باتجاه قالمة، فيمرون على قرية مليسيمو، وهي قرية بلخير القريبة من قالمة، فيصفها بقوله: "قرية قاسية مستقيمة. خطٌّ من أشجار السّنط أمام البيوت الواطئة وأسيجة قصيرة. إنّها الحضارة في جانبها الأكثر حقارة. لوحات إعلان تشير إلى بائعي الخمر، والدُّور فارغة، والنوافذ بلا زجاج. نساء في الحقول يزعقن الأرض أو يحرُثن مرتدياتٍ معاطفَ شمس أفريقية، والبُؤس الذي قد يكون هُناك، والحنق، والذكريات، والحمّى، الحمّى الشاحبة والهزيلة".


من قالمة إلى قسنطينة

بعد أن يصل فلوبير إلى مدينة قالمة يزور "مقهى السيد أوبريل"، ويقول إن معسكر الفيلق يأخذ مساحة كبيرة، ومسكن القائد الأعلى، السيّد دو فانوري رائع ومُحاط بالخضرة، "إنّه يشبه بشكل أجمل رجُل الصّناعة الفرنسي إدوارد دولامار. تناولت الغداء مع قائدي، وسوف يخلّصني منه السيّد أوبريل من الموظّف بمكتب الشؤون الأهلية 'بيرو عرب'".

من قالمة يتوجّه فلوبير إلى قسنطينة مُجدّداً، فيصف طريق المطحنة بأنها مُملّة حتّى الجزع، "فليس فيها غيرُ جبال صغيرة متشابهة، ثمّ منبسط، وأسلاك التلغراف تارة على اليمين وتارة على اليسار. كلّ هذا ينمّ عن فقرٍ بلا عظمة فيه، وعن رتابةٍ لا جلال فيها. سلّطتُ سوطي على بغل أمتعتنا. بلغنا مزرعة فوشو وصاحبها رجل أنهكه الزمن، أعور وساعد منفكٌّ. تجرّعت قنينة نبيذ بوردو التي اقتنيتها من سوق أهراس بلذّة لا تعادلها لذّة".

ويضيف: "انطلقنا في المسير مرّة أُخرى في الساعة الثالثة. انحدرنا بشكل شبه مُستمرٍّ فبانت لنا مدينة قسنطينة الرائعة من بعيد. انحدرنا مع وادي الرمال؛ على ضفّته نباتات الألوة. انزلقت بغلتي. دخلتُ دخول الفاتح المُنتصر إلى قسنطينة. نزلنا الفندق، ودفعتُ أجرة الشاب العربي الذي كان في خدمتي ومعه الجندي الأبله الذي كان غافياً في الزَّرع حيث ترك الحصان يرعى الكلأ. التقيت السيد فينيار وفييل ونييبس وفينيو. أخذت حمّاماً عربيّاً رائعاً، وكان مُدلّكي زنجيّاً ماهر اليَدين... نمت في السرير الكبير للسيد فينيار".

في اليوم التالي يقوم فلوبير بصُحبة أحد أصدقائه بنُزهة خارج المدينة، ويسبح في النهر ذي الماء الساخن، ثمّ يتناول الغداء ويحضر حفلة موسيقية، وفي المساء يعود إلى الفندق على ضوء القمر الذي هلّ أخيراً. 


جندي مخمور
 
بعد أربعة أيام في قسنطينة يغادر فلوبير متوجّهاً إلى عنابة، ويقول إن الجندي الجزائري الذي كان يُرافقه كان مخموراً وهو يردّد عبارة "سوف أذهب لاستشارة أبي. ألا تعرفونه؟ إنّه الأب إيدير"، ولذلك توقّفوا لتناول شراب "الشّامبورو" المصنوع من القهوة والخمر، وكان أن هدَّأ هذا الشراب مزاج العسكري المخمور.

ويخبرنا أنه قضى يوماً كاملاً في العربات وفي النوم. وفي المساء التقى بالسيّد مستشار العمالة، وهو رجل طيّب غير أنّه لا قيمة له. ويقول إن بقايا المسرح الأثري في المدينة تحوّلت إلى مدرسة بلديّة؛ والصهاريج الرومانية تمّ تحديثها.

وفي اليوم التالي الذي يصادف الأربعاء 9 حزيران/ يونيو، يركب فلوبير المركب من عنابة ويلاحظ وجود الكثير من النساء. ويقول: "من بين الركَّاب، القائد روبرت، ومحام من باريس وعجوز يرتدي معطفاً من وبر ويحمل مِنشفة يقود فتاتين. الفتاة الصغيرة والدركي العجوز المؤدّب. صيّاد من صيّادي أفريقيا، والبيروقراطي العسكري ذو السروال الأزرق، والنظّارتان، والقبّعة والعصا من قصب الأسل. ورجل من الألزاس، والكونت البولوني صيّاد الأسود، وهو رجل طويل القامة، أشقر الشّعر وذو لحية ومكروه. ثمّة أيضاً رجل طيّب، ضابط في فيلق الشرف، ذو شعر أشيب، ومن أقارب السيّد ف. بارو. ليلتان على ظهر السفينة، ورِجلا سروالي معقودتان بمناديل إلى باطن معطفي".

المساهمون