تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم الثالث عشر من آذار/ مارس ذكرى ميلاد المطربة اللبنانية نجاح سلام (1931).
في عام 1948، سجّلت نجاح سلام التي تمرّ اليوم الأحد ذكرى ميلادها أغنيتها الأولى "حوّل يا غنام حوّل" في الإذاعة اللبنانية، وهي من تأليف وألحان إيليا المتني، ولاقت نجاحاً كبيراً، لتتحوّل إلى أسطوانة أنتجتها شركة "بيضافون" في العام التالي، وتتلقى دعوات عدة للغناء في حلب ودمشق وبغداد، وهي الأغنية التي أعاد تأديتها فنانون كثر.
قدّمت المطربة اللبنانية (1931) بعد ذلك العديد من الأغاني بصوتٍ ميّزته الفخامة وقوة الأداء، ومنها "يا جارحة قلبي" من ألحان سامي الصيداوي، وغنت له مجدداً "ع نار قلبي ناطرة" و"وينك يا ليلى"، وكذلك "يا عربجي خفف سيرك"، "ع الوادي يالله ع الوادي"، "على مسرحِك يا دنيا" لنقولا المنّي، ومن ألحان فليمون وهبي أغاني مثل "حمّلتني فوق الألم ألم البعاد" و"القطر جه وحبيبي ما جاش"...
نجاح سلام التي وُلدت لأسرة بيروتية معروفة، فجدها عبد الرحمن سلام مفتي لبنان، ووالدها الفنان محيي الدين سلام الذي علّمها أصول الغناء في بداياتها، إلى جانب شقيقها عبد الرحمن سلام، حظيت برعاية عائلية في السنوات الأولى، حيث رافقها أبوها في معظم حفلاتها، إلى أن التقت فريد الأطرش عام 1951، الذي أعجب بصوتها كثيراً، ونصحها بالذهاب إلى مصر.
رغم معارضة الأب في البداية، إلا أنها انتقلت إلى القاهرة التي سبقتها إليها العديد من المطربات اللبنانيات في ذلك الوقت، ومنهن نور الهدى وصباح ولور دكاش وماري جبران، وبدأت عملها في السينما، حيث أدّت أدواراً رئيسية في عدد من الأفلام، كان أولها في فيلم "على كيفك" (1952) من تأليف أبو السعود الإبياري وإخراج حلمي رفلة.
ثم شاركت في فيلم "الدنيا لما تضحك" (1953) من تأليف بديع خيري وإخراج محمد عبد الجواد وبطولة إسماعيل ياسين، وتلاه الفيلم الاستعراضي "ابن ذوات" في العام نفسه، وهو من إخراج حسن الصيفي، حيث قدّمت خلاله مجموعة من الأغاني، منها: "برهوم حاكيني" و"الشب الأسمر" وغيرهما.
شكّلت تلك الأفلام نقلة نوعية في حياة نجاح سلام المهنية، حيث شاركت إسماعيل ياسين وكارم محمود بطولة فيلم استعراضي آخر بعنوان "دستة مناديل" (1954) من إخراج عباس كامل، وتواصل عملها في السينما المصرية التي منحتها فرصة الظهور ممثلةً ومغنيةً أيضاً.
بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، قدمت أغنيتها الشهيرة "يا أغلى اسم في الوجود" من تأليف إسماعيل الحبروك وألحان محمد الموجي، التي ستكون فاتحة للعديد من الأغاني الوطنية والعاطفية التي لحّنها لها كبار المؤلفين الموسيقيين خلال الستينيات والسبعينيات.
من أبرز ما غنّت نجاح سلام أغنية "أسرار الحب" و"يا شمعدان حارتنا" من تلحين كمال الطويل، و"أنا النيل مقبرة الغزاة" لرياض السنباطي، و"إيه الحكاية" لمنير مراد، و"بالسلامة يا حبيبي" لعبد العظيم محمد، و"يا غزيل ميّل" لسامى الصيداوي، بالإضافة إلى عشرات الألحان التي قدّمتها لسيد مكاوي وبليغ حمدي وعبد الحليم نويرة وفريد الأطرش وعبد العظيم عبد الحق.
انقطعت عن الغناء منذ أكثر من ثلاثين عاماً، بعد أن تركت أثراً لا يُمحى في ذاكرة الأغنية العربية، حيث يقول محمد عبد الوهاب: "صوت نجاح سلام يتحدى الزمن، إنه الصوت الذي لا يشيخ أبداً".