تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، العشرون من تشرين الأول/ أكتوبر، ذكرى ميلاد الكاتب المصري كامل كيلاني (1897 - 1959).
لم يحظ ما قدّمه كامل كيلاني الذي تحلّ اليوم الثلاثاء ذكرى ميلاده، من آلاف النصوص الموجّهة للطفل في عشرينيات القرن الماضي كثير اهتمام، ولم ينتبه أحد آنذاك إلى أن تلك الكتابات هي خلاصة قراءات معمّقة في التراث العربي واطلاع واسع على الثقافات الأخرى، وتمّ تأليفها بأسلوب يتناسب مع عصره.
التفت الكاتب المصري (1897 – 1959) إلى أهمية اللغة العربية في لحظة صعود تيارات التغريب في مصر، والعالم العربي عموماً، تتملّكه قناعة بضرورة أن يُنتج بلغة الضاد معرفة وآداب تنتمي إلى العصر، ومفتاح ذلك هو أدب الصغار الذي لم يكن قد تبلور في صورته التي نعرفها اليوم.
في رهانه على مشروع ظلّ مهمشاً حتى رحيله، أسّس حلقة ثقافية أثناء دراسته أطلق عليها "نادي كيلاني للطفل"، جمع حولها نخبة من أساتذة الأزهر والمستشرقين والرحّالة الغربيين والمسلمين وأهل اللغة والأدب، وانتظمت في انعقادها حتى منتصف الخمسينيات، حيث شارك فيها أو مرّ عليها كثيرون، منهم أحمد شوقي، وطه حسين، وعباس العقاد، ويوسف العظمة، وشكيب أرسلان، وخليل مطران، وفارس الخوري.
بضرروة أن يُنتج بلغة الضاد معرفة وآداب تنتمي إلى العصر، ومفتاح ذلك هو أدب الصغار
وُلد كيلاني في القاهرة وأتمّ حفظ القرآن في سن مبكرة مواصلاً تعليمه إلى أن انتسب للجامعة المصرية سنة 1917، وقد عمل موظفاً في وزارة الأوقاف لأكثر من ثلاثة عقود إلى جانب عمله في الصحافة حيث أدار جريدة "الرجاء"، وترأس "نادي التمثيل الحديث".
في عام 1927، نشر كيلاني قصته الأولى بعنوان "السندباد البحري" لتتتالى بعدها آلاف القصص المكتوبة بالفصحى، لكنها تتميّز بالسلاسة والتبسيط، مستمداً موضوعاته من الأساطير والأدب العالمي والمدوّنة الشعبية، متمسّكاً بالبعد الأخلاقي والتربوي للقصة التي تخللتها أشعار عديدة نُظمت أيضاً بأسلوب سهل وشائق وجاذب للأطفال.
جائلاً بين الأدب العربي القديم وآداب حضارات الشرق الاقصى والغرب، متقناً الإنكليزية والفرنسية، ألّف كيلاني مكتبته القصصية ومنها "الأمير المسحور"، و"بساط الريح"، و"علاء الدين والمصباح العجيب"، و"الملك ميداس"، و"يوليوس قيصر"، و"نارادا"، و"مدينة النحاس"، و"ليلة المهرجان"، و"قصة لا تنتهي"، و"قاضي الغابة"، و"عبد الله البري وعبد الله البحري"، و"حي بن يقظان"، و"خسرو شاه"، و"بطل أثينا"، و"الأمير الحادي والخمسون"، و"ام سند وأم هند"، وغيرها.
في كتابه "الوعظ القصصي.. الوعظ الكاذب ومقالات أخرى"، يقول كيلاني بأنه "إذا كان هذا الطفل - وهو لم يُعِّد السادسة من سني حياته - قد فَطن إلى التناقض بين قول المدرسة وفعلها، وأدرك أنها تأمر بما لا تأتمر به، أترونني قد بالغت إذا قلت: إن أذهان العامة لن تكون أقل من ذهن هذا الطفل إدراماً وفهماً لما يقع من التناقض بين أقوال وعاظهم ومرشديهم وأفعالهم؟".
ويصف أحمد شوقي مشوار صاحب "مصارع الأعيان"، بقوله: يا "كامل" الفضل قد أنشأت مكتبةً/ يسير في هديها شيبٌ وأطفالُ/ جمال طبعك حلاّها وزيَّنها/ فأصبحتْ بجميل الطبع تختالُ.
إلى جانب إبداعاته للطفل، وضع كيلاني مؤلّفاً في أدب الرحلات بعنوان "مذكرات الأقطار الشقيقة"، سجّل فيه انطباعاته عن رحلاته في كل من فلسطين ولبنان وسورية، وقدّم كتباً أخرى منها: "نظرات في تاريخ الإسلام"، "ملوك الطوائف"، "مصارع الخلفاء"، وحقّق "رسالة الهناء" لأبي العلاء المعري، وترجم أيضاً كتاب "ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام" لـ رينهارت دوزي.