ذكرى ميلاد: جوني كاش.. الصوت الذي قال لا

26 فبراير 2023
جوني كاش في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2002 (Getty)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يُصادف اليوم 26 شباط/ فبراير، ذكرى ميلاد المغني الأميركي جوني كاش (1932 - 2003).



في ليل الثاني عشر من أيلول/ سبتمبر، غادر جوني كاش عالمنا عن 71 عاماً، في ناشفيل، بولاية تينيسي الأميركية، إثر مضاعفات مرض السكّري الذي وضع حدّاً لحياته ومساره المِهَني الاستثنائيين.

عُرف كاش - الذي تمرّ اليوم ذكرى ميلاده - بصوتٍ رخيم جمع بين العُمق والعذوبة، وبالأداء والإيقاعات الفريدة التي ميّزت فرقته، "تينيسي ثري (Tennessee Three)، وبسلوكه الحكيم، بل الرواقي، وكذلك بالحفلات المجّانية التي كان يقيمها للمساجين، وبدفاعه عن المهمّشين، وبالثياب السوداء التي كان يرتديها في حفلاته.

كاش، الذي لُقّب بـ"الرجل الذي يرتدي الأسود"، قال مرّةً عن هذه التسمية: "كنت أرتدي الأسود لأنّني أحبّ ذلك، وما زلت أفعل ذلك حتّى اليوم، لأنّ هذا يعني لي شيئاً ما". وأضاف: "لطالما كان هذا اللون، بالنسبة إليّ، رمزاً للتمرّد، للتمرّد على الأوضاع التي لا تتحسّن، وعلى رجال الدين المنافقين، وعلى الناس المنغلقين على أفكار الآخرين".

جوني كاش - القسم الثقافي
جوني كاش خلال حفل بكاليفورنيا، 1995 (Getty)

وُلد جوني كاش في السادس والعشرين من شباط/ فبراير في كينغسلاند، بولاية أركينساس، في عائلة من الطبقة العاملة تشتغل في زراعة القطن. بدأ الغناء وهو في الخامسة، حين كان يساعد أهله في الحقل. وكان يكتب الشعر والقصص، يعزف على الغيتار ويؤلّف الأغاني وهو في الثانية عشرة.

في ذلك السنّ، كتب قصيدة بعنوان "على علوّ خمس خطوات وأكثر"، استلهمها من حادثة الفيضان التي ألمّت بالميسيسيبي عام 1937، والتي شهدها وهو في سن الرابعة، ليحوّلها بعد ذلك إلى أغنية ستصبح من أكثر أعماله نجاحاً. ومع الوقت، سيصبح الحزن، والظلم، والمعاناة، والأسئلة الأخلاقية، إلى جانب الموت والخلاص، أهمّ الثيمات التي ستعالجها أغانيه، بسبب الأزمات المالية والشخصية التي كانت تواجهها عائلته خلال فترة الكساد الكبير.

سجّل كاش، بنفسه، اثنين من أعماله: "هاي بورتر" (أو "سلاماً يا عتّال القطار") و"ابكِ، ابكِ، ابكِ!"، وكان ذلك في عام 1955، بعد أن فشل في تسجيل ألبوم غوسبل، لتنطلق بذلك مسيرته المهنية. سيعرف الشهرة لفترة قصيرة قبل أن يُنجز، عام 1956، مع جاري لي لويس، وكارس بيركنس، وإلفيس بريسلي ألبوم "رباعي موسيقي بمليون دولار" (Million Dollar Quartet).

رمز للدفاع عن المساجين والعدالة وأهل أميركا الأصليين

بحلول عام 1957، كان كاش قد أصبح الفنّان الأكثر نجاحاً والأكثر إنتاجاً بين فنّاني تسجيلات "سن ريكوردز" (Sun Record). بل إنّ سمعته هذه ستزداد مع أغنيته "آي ووك ذي لاين" (I Walk the Line)، التي تصدّرت مبيعات أغاني الكاونتري في كلّ قوائم المبيعات بالولايات المتّحدة، وكذلك مع أغنيته "خاتَمٌ من نار"، التي كانت قد أدّتها أوّل الأمر أخت زوجته.

لكنّ كلّ تلك المكانة لم تكن كافية للموسيقي المتمرّد. هكذا، دخل كاش التاريخ، عام 1958، عندما قدّم مجموعة من الحفلات الثورية في "سجن سان كوينتن"، تبعتها حفلةٌ في "سجن فولسوم"، الذي سجّل فيه أيضاً اثنين من الألبومات الأربعة التي خصّصها للسجون والمساجين، والتي نتج عنها تغيّرٌ إيجابي في معاملة المساجين وحقوقهم في الولايات المتّحدة.

جوني كاش - القسم الثقافي
جوني كاش في حفل مع زوجته جون كارتر، 1973 (Getty)

وبينما كان، في عام 1964، يعيش قمّة نجاح ألبومه الجديد آنذاك "آي ووك ذي لاين"، اختار الفنّان الذهاب عكس كلّ التوقّعات، مواجهاً اعتراض السلطات والناشرين، ليسجّل ألبوماً جديداً بعنوان "الدموع المرّة: مقطوعات لهنود أميركا". تضمّن الألبوم قصصاً للعديد من سكّان أميركا الأصليّين، ولا سيّما عن الاضطهاد العنيف والإبادة التي تعرّضوا له على يد المستوطنين البيض. ولاحقاً، في برنامجه المتلفز "ذي جوني كاش شو"، سيستمرّ بتقديم قصص عن المصير الذي تعرّض له سكان الولايات المتّحدة الأصليون، إمّا من خلال الأغاني التي كان يقدّمها أو عبر الأفلام القصيرة.

ظلّ كاش يعمل على تسجيل أعمال حتى فترة قصيرة قبل رحيله، ليثمر مجمل تجربته عن 91 ألبوماً و170 أغنية منفردة. كانت موسيقاه تتجاوز حيّز موسيقى الكاونتري. أمّا حبّه لزوجته، جون كارتر، فكان يتجاوز كلّ شيء.

كانت جون مغنّية وملحّنة ومؤلّفة أغان صاحبة تجربة متكاملة، وهي من عائلة كارتر المعروفة. بقيتْ طيلة 35 عاماً زوجةً لكاش، الذي كتب لها عبر أعماله مجموعة من أعظم رسائل الحب، وظلّ يكرّر أنها أوّل ملهمة وأكبر حافز له في حياته وعمله. وقد نالا سويّةً، عام 1968، جائزة "غرامي" مشتركة لهما، عن عملهما المشترك "جاكسون".

نظر جوني كاش إلى حياته بوصفها صراعاً بين الخير والشرّ، بين النور والظلام. وكان في الآن نفسه مؤمناً وجاحداً، كما قضى حياته وهو يسعى لمواجهة إدمانه على المخدّرات والكحول بسبب الصدمات الكثيرة التي تعرّض لها في حياته الصعبة. لكن رغم ذلك، تبقى بصمة جوني كاش في التاريخ هائلة، وكذلك إرثه.

تلقّى الكثير من التكريمات والجوائز، وتحوّل إلى واحد من أبرز الموسيقيين - الشعراء في زمانه، تاركاً بصمةً عميقة على الموسيقى الغربية. لكنّ أكبر بصمة تركها هي بلا شكّ أنه بات من رموز للعدالة التي يسعى إليها الناس ولا سيما في بلاده.

المساهمون