ذكرى ميلاد: ألفين توفلر.. صدمة المستقبل التي نعيشها يومياً

04 أكتوبر 2020
توفلر بعد أيام من إصدار "صدمة المستقبل"، 1970 (Getty)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. تصادف اليوم، الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ذكرى ميلاد المفكّر الأميركي ألفين توفلر (1928 – 2016).


مع الأميركي جيرمي ريفكين، والفرنسي جاك أتالي، كان المفكّر الأميركي ألفين توفلر من القلائل الذين اعتُرف بهم كمتخصّصين في علم المستقبليات، على ما في ذلك من تناقض حيث أن تحويل المستقبل إلى موضوع علميّ أمر يجد الكثير من الاعتراضات، غير أن هؤلاء نجحوا إلى حدّ كبير في بناء خطاب متين حول المستقبل. 

كان من المفترض أن يكون توفلر من أشهر مفكّري الغرب في ثقافتنا العربية على خلفية أنه - وعلى عكس بقية المستقبليين - حظي بترجمة نصيب وافر من أعماله، خصوصاً في تسعينيات القرن الماضي (والتي تقابل سطوع نجمه في الغرب أيضاً)، حيث نجد في أعماله المعرّبة: "صدمة المستقبل"، و"الموجة الثالثة"، و"تحوّل السلطة"، و"الحرب ضد الحرب"، ويمكن القول إن هذه الأعمال الأربعة تغني قارئ العربية عن متابعة أعماله الثلاثة عشر، وتقدّم عدّة أدوات فكرية لمقاربة قضايا جيواستراتيجية وسياسية واقتصادية راهنة.

غير أن فكر توفلر لا يبدو أنه عبر إلى العربية، بل يمكن قول الأمر نفسه على مجال المستقبليات برمّته في ما عدا بعض المحاولات المتفرّقة أبرزها المغربي المهدي المنجرة ("الحرب الحضارية الأولى"، و"عولمة العولمة"، و"الإهانة في عهد الميغاإمبريالي") والتونسي الصافي سعيد ("عودة الزمن الإمبراطوري"، و"سنوات المتاهة: على مذبح القرن 21"، و"خريف العرب: البئر والصومعة والجنرال"، و"المعادلة التونسية").

مع تكوينه الأكاديمي في علم الاجتماع، استفاد توفلر من اشتغاله في الصحافة في شبابه وهو ما مكّنه من رؤية واسعة للأحداث وأيضاً من تنويع مصادره المعرفية حتى أنه في ستينيات القرن الماضي وعلى الرغم من كتابته المنتظمة حول القضايا الاجتماعية، كان قادح شهرته الأبرز هو إنجازه لحوار أدبيّ مع الروائي الروسي فلاديمير نابوكوف.

في 1964، أصدر توفلر أوّل أعماله بعنوان "مستهلكو الثقافة"، وهو عمل مرّ تقريباً دون قراءة فلا أحد كان منتبهاً للباحث السوسيولوجي في زمن كانت الولايات المتحدة تعيش نجومية "مدرسة شيكاغو"، ومن فضّل  العيش في أميركا من "مدرسة فرانكفورت" حتى بعد نهاية الكابوس النازي. نفس الصمت عرفه كتابه الثاني "المدرسة في المدينة" الصادر عام 1968.

سينقلب الأمر تماماً مع "صدمة المستقبل" (1970)، كان صدوره أشبه بصدمة إيجابية للبيئة المعرفية، حيث نجح الكتاب في اختراق جدار التجاهل الذي عرفه توفلر وضخّ دماء جديدة في عروق البحث العلمي. كانت الإشكالية التي تصدّى لها العمل مبتكرة وراهنة للغاية، حيث تساءل الباحث الأميركي: "كيف يعيش الناس تحوّلات عالمهم الذي بات يغيّر بشكل شبه يوميّ مع تسارع التطوّر التكنولوجي؟". سؤال دفع توفلر إلى ملامسة حقول معرفية جديدة، وكانت هذه التوليفة بين علم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ وعلم النفس والعلوم السياسية والجغرافيا بمثابة علامة في طريق مجال بحثي جديد هو المستقبليات بدأ يتبلور كمشروع غامض منذ كتاب المفكر الألماني أوسفالد شبينغلر "تدهور الحضارة الغربية".

في السبعينيات والثمانينيات، واصل توفلر رصده للتحوّلات الكبرى من منظور حضاري شامل، وبات يتحدّث عن تغييرات حادة تعرفها وستعرفها البشرية على مستوى المفاهيم والممارسات، وبالتدريج بدأ القرّاء والنقّاد يقفون عن صلابة مقولاته أمام اختبارات التاريخ القريب مع محطات كبرى مثل سقوط الاتحاد السوفييتي، وصعود فكرة العولمة باعتبارها مرحلة جديدة من مراحل التطوّر الحضاري الشامل.

رحل توفلر في 2016، كانت سنة تحوّلات في أميركا (من صعود الشعبوية السياسية للحكم إلى تواتر الكوارث الطبيعة) ذكّرت كثيرين - وهم يُؤبّنونه - بأنه قد أشار إلى أن الزمن الجديد هو زمن اللايقين، زمن الخيارات اللامحدّدة في عالم يتغيّر بشكل متسارع، ما يجعل البشرية في حاجة إلى أداة معرفية قوية - مثل علم المستقبليات - لتنتشلها من الضياع.

المساهمون