الغربال واحد من الأدوات الزراعية التي تحتفظ لنفسها في الذاكرة الجمعية، كما في الموروث الشعبي، بالكثير من الاستعارات. وإليه توجَّه اختيار الفنّانة التركية لويا قدر أوزتركمان، في معرضها الذي يُفتَتح منتصف الشهر المُقبل، في "متحف كنعان ياوز للإثنوغرافيا"، بولاية بايبورت شرقي البلاد.
الموادّ الأولى التي تُجهّز أوزتركمان منها أعمالها، هي الأُطر الخشبية الدائرية بمختلف أحجامها، وإنْ بدا الأمر، للوهلة الأُولى، بأنّه محكوم بهذا الشكل الهندسي المُفرَغ (الدائرة) فحسب، ويُحيل إلى "روتين" الحياة المنزلية التراثية. فكيف ستقدّم الفنّانة قراءتها خارج تلك الحدود؟
في تسجيل مرئيّ أتاحته وسائل إعلام محلّية، يُظهر التحضيرات للمعرض، تلفتُنا المساحة المُمكِنة التي تشتغل عليها أوزتركمان، وكيف تملأ ذلك الوسط من خلال الزخارف النباتية كالزهور المرسومة والنافرة، أو سنابل القمح الطويلة التي تحضر بقوّة، دلالةَ ارتباط وثيق مع الأرض بمعناها الحَيوي.
كما يظهر أيضاً، اتّخاذها من الحقل المفتوح مكاناً تشتغل فيه مباشرةً، حيث لا يفصلها عن مادّتها التشكيلية أيُّ جدار، في حين تنعش أغنيات الحصّادين من حولها إيقاع التشكيل، أو ربّما تضبطه.
وإذا ذُكرتِ الأرض والحياة والقمح، كان لا بدّ في المقابل من الإشارة إلى النساء، وما يبذُلنَه من مجهود في إطار الحياة التقليدية؛ بل إنّ تصوير هذه الحيوات، والنظر في أدقّ تفاصيلها، هو أحد المشاغل التي يُقدّمها المعرض، وذلك كنوع من توثيق التراث اللّامادي في تركيا.
من وراء ثلاثة عشر غربالاً، هي عدد الأعمال التي تقترحُها أوزتركمان، هناك خيطُ نورٍ يصل الفنّ المعاصر بالتقاليد، ويُعيد إحياء أدواتٍ عملت الحياة الحديثة على تحييدها، بهدف تعزيز حُضورها في ذاكرة جيل جديد.