تُمثّل الحديقة ثيمةً مركزيّة واسعة الانتشار في الثقافة العربية، إذ نجدها في التّخييلات الشعرية والأدبية والموسيقية والبصرية والمعمارية منذ العصور القَديمة وحتّى العصر الحديث؛ من صُوَر الواحات في الصحراء وصولاً إلى تجسيد الفردوس، كما أعطت أسماءها لمدنٍ عربية مثل الرّياض وعدن.
ومع النهضة العربية في القرن التاسع عشر، باتت الحديقة ثيمة أوسع، تُشكّل استعارة أساسيّة في عالم الصحافة والأدب وتطبعُه بطابعها. يكفي أن نستذكر أسماء صحف ومجلّات ظهرت في فترة النهضة، مثل "الجنان"، و"الجُنَيْنة"، و"حديقة الأخبار"، لنعِيَ الأهمية التي تمثّلها الحديقة في التفكير حول الثقافة العربيّة في العصر الحديث. وبصورة أدقّ، إنّ تشبيه العلاقة بين الثقافة والفنّ بالحديقة وثمارها يشكّل ثيمةً مفتاحيّة في فكر النهضة، كما يظهر صحف مثل "ثمرات الفنون".
ضمن هذا الإطار، يُنظّم "الصندوق العربي للثقافة والفنون" (آفاق)، مؤتمراً بعنوان "دخلت مرّة الجنينة"، في الرباط بين الحادي والثلاثين من آب/ أغسطس الجاري، والثاني من أيلول/ سبتمبر المُقبل، ويُعقد بالتعاون مع "مركز كولت للفنّ المعاصر والنشر".
يجمع المؤتمر، الذي يستعير عنوانَه من أغنية أسمهان الشهيرة، أكاديميّين وشعراء وروائيّين ومُخرجين وفاعلين ثقافيّين من مختلف الحقول، بهدف إعادة النظر في مفهوم الحديقة كما يتبدّى في فضاءات مختلفة من الإنتاج الفكري والثقافي في عصرنا الحاضر. ومن بين الأسئلة التي يتطرق إليها المُشاركون: ما هي حديقةُ المعرفة والثقافة العربيّتَين في حقبة التأثير البشري؟ وما هي الخطابات الجديدة التي يُمكن استنباطها من ثيمة الحديقة في مجالات التنمية المُستدامة والمناخ والتعدّدية؟ وما هي الأساليب الحسّيّة والتخييليّة التي تنشأ عند دخول الحديقة؟
تُقدّم مُساهَمات المؤتمر بلغات ثلاث: العربية والإنكليزية والفرنسية، ومن العناوين المُشارِكة: "في جِنان الجنون" ندوة لستيفانيا باندولفو، و"مقاومة الأسوار" قراءات شعرية لسعاد لعبيز وريم بطّال، و"قصائد الاستهلاك" عرضٌ أدائي لحامد سنّو، و"هذا الأوكالبتوس الجميل" ندوة تقدّمها الباحثة زاهية رحماني، وهي جزء من مشروعها "الفراديس المفقودة: استعمار المَشاهِد وتدمير الأنظمة الأنثرو- بيئية"، وفيلم "شظايا السماء" لعدنان بركة.