لطالما تعرّض الفنان البريطاني داميان هيرست (1965) لهجوم من قبل جمهور الفن ونقّاده، خصوصاً في الفترة الأخيرة، وذلك لأسباب عديدة، في مقدّمتها التشكّك في معنى ما ينتجه من فنّ يضع فكرته فقط بينما يقوم مساعدوه بتنفيذه، والتساؤل عن مئات الأعمال التي لم يصنع منها شيئاً، وهو ما دفعه للردّ هذه الاتهامات بالقول إن "الفعل الإبداعي الحقيقي هو المفهوم، وليس تنفيذه".
ويرى هؤلاء أن فنّه أصبح مجرد سلعة للبيع بما يحمله من مفاهيم صادمة أو مثيرة للاشمئزاز، ولا تروق إلا للمقتنين الأثرياء أصحاب الذائقة الخاصّة من نوعها. ولم يعد الموت الذي يشكّل الثيمة الأساسية لتجربته محطّ اهتمام كثيرين لا تعجيهم الجثث والجماجم في معارضه، وبات الأمر مؤرقاً لجمعيات حقوق الحيوانات والناشطين في مجال البيئة الذين يشيرون إلى أن هيرست مسؤول عن مقتل ما يقارب مليون حيوان في أنحاء العالم.
"الهروبية العقلية" عنوان معرضه الذي افتُتح في مدينة سانت موريتز السويسرية، منذ بداية شباط/ فبراير الجاري، ويستمرّ حتى نهاية آذار/ مارس المقبل.
يضمّ المعرض حوالي أربعين عملاً موزّعة على عدّة فضاءات، من بينها مجموعة من أكثر سلاسل هيرست شهرة، بما في ذلك سلسة التاريخ الطبيعي التي نفّذها بين مطلع التسعينيات و2014، والتي استخدم فيها أكثر من ستمئة سمكة تمّ تعليقها على شكل مصفوفة، وكونها تُعرض بهيئتها الطبيعية فإنه يتم استبدالها مرة كلّ سنتين، ما اعتُبر تعدّياً على أنواع نادرة من الأسماك مثل سمك قرش بيبري الذي يصل طوله نحو خمسة أمتار.
كما تُعرض لوحات ألوان الفراشة وتحتوي آلاف الفراشات الميتة مثبّتةً على القماش، والتي نفّذ مثيلاتٍ لها على أنواع أخرى من الحشرات والطيور، حيث تُعدّ هذه الأخير من أكثر ضحاياه عدداً، إذ يتجاوز رقَمُ ما جرّبه من هذه الكائنات في لحظة الطيران عددها تسعمئة ألف طير وحشرة. وقد فعل الأمر ذاته في عمله الذي يصوّر دورة الحياة خلال ألف عام، من خلال تتبّع اليرقات التي تُولد وتتحوّل إلى ذباب، في 111 جيلاً حيث دورة ولادتها تستمر لستّة أيام، وكان قتل مئات آلاف الذباب من أجل محاكاة دورة الحياة!
وسيتم عرض تمثال الراهب، البالغ من الارتفاع 12 قدماً، والذي نفّذه عام 2014 في وسط بحيرة سانت موريتز المتجمّدة، مع شخصين آخرين تتثبّت طبلة على جسديهما، حيث وُضعت على الحافة الشمالية الشرقية للبحيرة، وكذلك تمثال برونزي مطليّ، بطول 21 قدماً، يصوّر نموذجاً تشريحياً، وآخر يمثّل إله البحر عند الإغريق، إلى جانب السلسلة التي تحمل عنوان المعرض وتشير إلى دراسة طرق الهرب كشكل من أشكال الفنّ أو الترفيه.