حُب لا يشبه حتّى الحُب

06 أكتوبر 2022
ڨاليريا كانياتسو خلال قراءة في "مركز الشعر المعاصر" بـ"جامعة بولونيا" الإيطالية
+ الخط -

من النّافِذة

ليْسَ ثمّةَ جزْءٌ فيَّ
ليْسَ ثمّةَ جزْءٌ واحدٌ
لا يسْتطيعُ اللهُ
أنْ يَلِجَ منْه:
فأنا مِصْفاةٌ للضّوء.

يَفْتِنُني وهو ينْفُذُ، دونَ أنْ يلْحَظَه أحدٌ،
منْ دَرْفَةِ نافِذةٍ مُوارِبةٍ
يُلقي إصْبَعًا واسِعةً أو ضِحْكةً؛
ذي أنا، مُشْرَعة بضَعْفي.

أعْرِفهُ بغيْرِ اسمٍ، وبِكلِّ الأسماء
وكما العاشِق الصَّادِق
فأنا لا أطْلُبُ مِنهُ
أنْ يكونَ مَوْجودًا
بأيّ ثَمَن.


■ ■ ■


خِياطَة

ليكنْ إذًا: لينْفُذِ الخيْطُ في سَمِّ الخِياطِ
هذا السّحرُ أطلبُ، كما تسْلُك قدمانِ درْبًا،
بالضّبط ذلك الدّرب لا غيْره،
وتلجُ حياةٌ في تلْكَ الوجهة. 
ويحدثُ أيضًا أنْ تُخْطئ الثَّقْب:
فيكون المِرانُ في حَدْسِ المَعْنى
والتَّكهُّن بالحُلْم. وقدْ يحْدُث أيضًا
أنْ أُفلِتَ من الزّمن، أنْ أنْحني خطًأ
في الفراغ: والطّفْلة الّتي تخيطني
تتأفْأف بنفادِ صبر، وهي تُعِيدُني إلى مَكاني
في ذَلِكَ الثَّقبِ الصًّغير.


■ ■ ■


سَغَب

الجَنوبُ مسْقط رأسي، والحُبُّ هناك هو أنْ تكونَ على أُهْبة. 
هذا ما علّمتنيه أمّي، بِسُؤالِها الأبديّ: "هلْ أكلْتِ؟"،
سؤالٌ صار امرأةً ومهْدًا.
بهذهِ اللُّغة نَنْجو من البُؤس، نَحْتمي من الفجيعة
تلْكَ الّتي تفْرِزها التّماثيلُ وتُكّمَّمُ بِها النَّوافذ،
هذا هو الحبُّ بالنّسبة لنا؛ هو أنْ نَمْحُو بأبْجَديَّة الطَّعام
رائِحةَ المَوْتِ الحاضِرَةَ أبدًا، 
الخَبيئَة حَتّى في الدِّيدانِ الذَّهَبيَّة داخِل خِزانَة المَؤونة.

الحبُّ هو اليَقْظَة عندنا، قبْل أنْ يَكونَ عاطِفَةً
هو ألّا يُعاني الآخرُ السَّغَبَ. نملأ المَعِدة الفارِغة
في الجَوْف الكَوْنيّ الفارِغ الذي هو العَالَم، كما علَّمونا،
بِما نمْلِك من اهْتِمام، مِنْ قلقٍ غير مُبَرَّرٍ، ومن ألمٍ مُسبَّقٍ
حتّى ندّفع كلّ ذلك عنّه – ألا لا قاسَيْتَ الجُوعَ أبدًا. 

وحينما يكونُ شَبْعانًا، يأخُذُ الحُبُّ شَكلًا آخر
لا يُشْبهُ العَوْز، ولا الفاقَة ولا السَّغب
لا يُشْبهُ حتّى الحبّ – فنَشْعر بالرّضا عن حياتِنا
إذْ حتّى اليوم مَلَأنا مَعِدةً، تِلْك الأحبّ إلى قلوبِنا،
بسُؤال لا غَيْر.

لا يَموت مَن تَناول طعامَه، لا تمتَصّ الأَرضُ طاقَتَه.
وإنْ كانَ جَوابُه لا، آه يا حبيبي، يا إلهي الحاضِرُ أبدًا
لأنَّكَ لَصيقٌ بِثَدي الموت، اجْعلني نبْتةً، اجْعَلْني قمْحًا
فإنْ صَعُبَ على هذا الجَسَد، فاجْعلني وَرَقة نَعناعٍ
لكيْ أُنْعشَ قِواه، أو عَصير برتُقالٍ لأُبلٍّلَ شَفَتيْه –
سيكون حبّي، على الأقلّ، السُّكَّر في مائك.


■ ■ ■


I

كيْفَ لأيادٍ ذات مَخَالب
أَنْ تُشارِك في لُعْبَة النّرْد؟

وأنا أسْأَلُ الجَسَد، قُلّْ لي
ماذا بِوسْعي أْنْ أمْنَحَك، ماذا يَنْفعُك
من أيْن أجْلِبُهُ وفيكَ أغرِسُه، قُلّْ لي
ما الذي تَحْتاج إِليْه؟

النّوافِذُ ضَيِّقةٌ والأجْفان لا فَائِدة مِنْها
والأصابِعُ تَبْحَث عَنْ الأصابِع
والقُلوبُ تَنْزِف أكثَر مِمّا تَسْتَطيع.


■ ■ ■


VI

بِبُطءٍ يَجْري النَّهْر بَيْنَ جُرفيْه
(وأنا أسيرُ تائِهةً بَيْنَ جِدارَيْن
لا شَيءَ أرتَكِنُ إليْه، قَصيرَة نَبَتتِ الأَذْرُع)
ما هو اسْمُ القَطْرَة بَعْدَ المَطَر
وهي تُواصِل انْزلاقَها على خَدِّ الزُّجاج،
لَعَلّها تَجْهَل، وقَدْ فات الأَوان، بِأنَّ المَوْتَ آتٍ
لِيَلْتهِم كُلَّ شيءٍ – مِثْل قِطْعَة المَطَّاط السَّوْداء
الّتي تَرسُم حُدود النَّافِذَة.


■ ■ ■


XI

بأيِّ أسْماءٍ سَيصوّرون الإنسان، بأيّ خُيُوطٍ
وأيّ قِماشٍ وأيّ برْديّةٍ وأيّ صلصال؟
وعلى الأَخَصّ، لأيّ يوم سَيُمْهَل قَلْبُه؟

مَنْ يُغنّي في حُنْجرةِ الطُّيور؟


■ ■ ■


XIV

سَنغْفِر لِقِدّيسينا خَطيئَةَ أنَّهُم انْقَرَضوا.



بطاقة

Valeria Cagnazzo شاعرة إيطاليّة من مواليد 1993. تهتمّ بالأدب والنّقد، كما تكتب في مجال حقوق الإنسان. وهي طبيبة أطفال تعمل في مدينة بولونيا، وقد مارست المهنة، متطوّعةً، في بعض البلدان مثل اليونان ولبنان وأثيوبيا. أولت اهتمامًا خاصًّا بالقضيّة الفلسطينيّة، وكتبتْ عنها في عدد من المواقع الإيطالية. نُشرتْ نصوصها الشّعريّة في عدّة مجلّات إيطاليّة، وحازتْ على جائزة "Elena Violani Landi" وجائزة "Le stanze del tempo". صدر لها ديوانٌ بعنوان "تدفّقات" عام 2019.

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون