ينشر حلمي التوني على صفحته في فيسبوك، الجمعة الماضي، لوحة مؤرّخة في عام 2010 لامرأة فلسطينية تعقد على حجاب رأسها "مفتاح العودة" وشجرة صبّار، في إحالة إلى مفتاح بيتها المسروق الذي ستعود إليه في فلسطين بعدما هُجّرت عنها قسراً لأكثر من سبعة عقود، والشجرة التي ترمز إلى الصمود، وكَتب: "عملٌ أفتخر به.. ملخّص القضية.. الآن وغداً.. ولكلّ الناس".
في العام نفسه، رسَم الفنان المصري (1934) لوحاتٍ تُضاف إلى مدوّنة بصرية بدأها منذ السبعينيات كان موضوعها فلسطين، ومنها رسْمٌ لامرأة تختزل مصر التي يعرفها وهي تحتضن طفلاً فلسطينياً، مع لوحات أُخرى أقدمُها لنساء فلسطينيات تقترب من شخصياته النسائية التي اشتهر برسمها، لكن من دون أجواء احتفالية.
تحافظ النساء الفلسطينيات في لوحاته على جوهر أساسي لطالما اختاره لرسم معظم النساء؛ الصلابة والقوّة وإرادة الحياة، مع تعابير عفوية وتلقائية على وجوههن وحركتهن، وكأنهن لا يلتفتن إلى رقيب هنا وهناك، في عمل يحاكي الأيقونات بطابع شعبي، مع إضافات تناسب هذه اللوحات، حيث تحمل فتاة سلّة برتقال وتزركش ثوبها الملوَّن بنقشٍ لقبّة الصخرة، كما في لوحة رسمها التوني سنة 1977 بعنوان "فلسطين في القلب".
في رسمٍ أحدث نشره الفنان بداية كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي على صفحته أيضاً، تظهر امرأة فلسطينية باكيةً وهي ترفع إصبعيها المجروحين علامة النصر، وثبّت في منشوره بيتَ أحمد شوقي القائل "وللحرية الحمراء باب/ بكلّ يد مضرّجة يدق"، وقبلها بأيام تتالى نشره لرسومات كلّها بالأبيض والأسود تفاعلاً مع يوميات العدوان على غزّة، منها رسم لامرأة مطعونة بسكّين في ظهرها وهي تصرخ:" اللهم اكفني شرّ أصدقائي. أمّا أعدائي، فأنا كفيل بهم".
التوني، الذي يعيد نشر أعماله القديمة حول القضية الفلسطينية، ورسَم عشرات الرسومات الجديدة، أشار في تصريحات صحافية سابقة إلى أنه لا يفكّر بتخصيص معرض مستقلّ حول فلسطين، لكنه سيواصل الرسم لها مع تعليقات لاذعة تهجو ازدواجية المعايير الغربية، وهرولة أنظمة عربية نحو التطبيع، ويرسم في أُخرى نساءً وأطفالاً يقاومون التوحّش الإسرائيلي، وتنبعث الإرادة والحياة فيهم رغم الجراح والموت.
فلسطين لم تغب يوماً عن بال التوني، الذي كان أحد المفصولين من الصحافة المصرية عام 1973، بسبب مطالبتهم نظام السادات بإعلان الحرب على "إسرائيل"، وجرى التضييق عليه بمنع عرض لوحاته في "غاليريهات" القاهرة، فقرّر السفر إلى بيروت وهناك صمم أغلفة كتب "المؤسّسة العربية للدراسات والنشر" بناء على طلب مؤسّسها الكاتب والشهيد عبد الوهاب الكيالي (1939 - 1981)، ولاحقاً أغلفةَ إصدارات "دار الفتى العربي" التي انتشرت على نحو واسع في تلك الفترة، وكانت تهدف إلى خلق هوية عربية تلتزم بالقضايا الوطنية، وفي مقدّمتها فلسطين.
في لبنان، حيث أقام التوني صمّم عشرات الملصقات التي تُمجّد المقاومة، ضمن تعاونه مع الإعلام الموحد لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية"، ووثّق برسوماته حصار بيروت الذي عاش تفاصيله مع المحاصَرين عام 1982، كما يحتفظ الأرشيف الفلسطيني بأعماله التي سجّل فيها يوميات الانتفاضة منذ اندلاعها سنة 1987، مواصلاً التفاعل مع كلّ الأحداث التي مرّت على الشعب الفلسطيني حتى اليوم، وكثيراً من تصميماته استُنسخت آلاف النسخ، ربما لأنّها قاربت الكفاح والمقاومة بصورتين فقط: امرأة صامدة وطفل يعرف معنى الحياة.
مع بدء العدوان الصهيوني على غزّة في تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، استعاد حلمي التوني واحدةً من أشهر لوحاته على صفحته في فيسبوك، بعنوان "فلسطين الأمّ"، وكتب إلى جوارها حكايتها: "هذه اللوحة عن سيّدة فلسطينية (تنتظر).. رسمتُها في بيروت صيف 1982. وبعد أيام من رسمها اجتاحت 'إسرائيل' لبنان واحتلّت بيروت لتكون أوّل عاصمة عربية في العصر الحديث تسقط تحت الاحتلال.. وتضيع اللوحة! ومن يومها والسيّدة الفلسطينية (تنتظر).. حتى يأتي أولادها وأحفادها، بعد إحدى وأربعين سنة، ليردّوا لها شرفها وكرامتها".