حقوق المؤلف.. طيّب ماذا عن...؟

23 ابريل 2023
مكتبات سور الأزبكية في القاهرة (Getty)
+ الخط -

لا تُطرَح مسألة حقوق المؤلّف عربيًّا إلّا وتُضاف إليها ملاحق وجمل اعتراضية و"ماذا عنّيّة": طيب، ماذا عن حقوق المترجم؟ ماذا عن حقوق الناشر؟ ماذا عن حقوق القارئ؟ وطبعًا، ماذا عن حقوق المُواطن؟ وكأنّ المؤلّف غير كافٍ بذاته وفي ذاته، إذ لا بدّ من قضية أُخرى تُدخله في دوّامات المقارنات والأولويات كي يكون جديرًا بالنظر في قضيته، بخاصّة حين تُرافقها جملة وقهقهات: وهل بقي مؤلّفون أصلًا؟

ما يُعقِّد المسألة أنّ المؤلّفين أنفسهم لا يجرؤون على طرح القضية إلّا بعد إرفاقها بتعقيب: "ولكن ليس كلّ الناشرين سواء"، إلى حدّ أنّنا لم نعد نعرف من هؤلاء الناشرون الذين يأكلون الحقوق، إن كان جميع المؤلّفين راضين بما قسمه الله لهم من ناشرين مهنيّين، وجميعهم - في الوقت ذاته - يشدّد على أنهم مظلومون مسلوبو الحقوق. ستُقذَف كرة العزوف عن القراءة مباشرة من الناشرين الذين يُقْسِمون أنّ الرقم السحري "ألف نسخة" هو الرقم الدائم في الطباعة، أكان هذا في التأليف أو الترجمة أو التحقيق، وهات من يدقّق في أرقام الطباعة الحقيقية طالما أنّ أصحاب المطابع لا يودّون قطع أرزاقهم وإظهار أرقام الطباعة الحقيقية للمؤلّفين ومن لفّ لفّهم من فضوليّين.

يمنّننا الناشرون - أطال الله في أعمارهم وفي نُسخهم الألف - بأنهم يغامرون في سوق نشر تشهد تراجعًا منذ عقود، ونكبات متلاحقة: ألا تتابع الأخبار؟ كورونا هلكتنا، إيجار الأجنحة في المعارض يكسر الظهر، المكتبات تشتري الكتب بحسم يقارب أربعين في المئة. وعليك، عزيزي المؤلّف، أن تغامر مع المغامرين، وأن تقبل بتحمّل شيء من المسؤولية، فالحقوق مترافقة بالواجبات، وأنت سيّد العارفين.

أين أنت وأين نجيب محفوظ لتطالب بما تدعوه حقًّا؟

المسؤولية المقصودة هنا ليست محض دفع تكاليف الطباعة كما جرت العادة العربية منذ عقود، بل أيضًا المساهمة في الترويج للكتاب، وفي التوزيع، وفي دخول بازار حفلات التوقيع، وكذلك في التنازل عن جزء من الجائزة إنْ وفّقك الله وربحتها (نعم، أقصد المترجمين هنا أيضًا). إذ يسحبك الناشر من يدك ويهمس لك عن مافيات الجوائز والمؤسّسات. وهل تظن فلانًا ربح الجائزة لو لم يكن يعرف المحكّمين؟ وهل تظنّه ربح لو لم يدفع لناشره الذي أرسل "هدايا" لإدارة الجائزة ومحكّميها؟

إلى المنح الثقافية إذن، والله ولي التوفيق! ينطّ الناشر هنا ليلطم: ولمَ أُضيفُ لوغو المؤسّسة المانحة إنْ لم تدفع لي حصّة من المنحة؟ ويبدأ بازار آخر في التسويات والتفاوض لنصل إلى حلٍّ وسط: تشتري نسخًا بسعر المبيع وتوزّعها بمعرفتك، وألف مبروك على المنحة التي يتمنّاها ألف غيرك. طيب، فليسقط الناشرون والقرّاء وسوق النشر ولنكتفِ بمواقع التواصل. يمدّ محرّرو الصفحات الثقافية رؤوسهم هذه المرّة ليلطشوا ما كتبتَه على صفحتك وينشروه مقالة يذيّلونها بعبارة "من فيسبوك الكاتب فلان الفلاني". وطبعًا لا أجر نشر هنا، لأنّك كتبت على صفحة عامّة مفتوحة للجميع، وحفظنا حقوقك المعنوية، ويبقى المؤلّف دومًا أسير تلك الحقوق المعنوية الضبابية.

بيع قطعي. هذا ما يفعله المترجمون لترجماتهم، إذ يأخذون أجورهم مرّة واحدة بصرف النظر عن عدد الطبعات. ولكن، في نهاية المطاف، فلنتجاهل المترجمين، فهم أنصاف مؤلّفين، أو مؤلّفون درجة ثانية، تنبغي لهم المشاركة في "النهضة الثقافية" كي يذكرهم التاريخ وقد وصلوا الشيخوخة وهم لا يزالون يترجمون. التقاعد والحقوق للمؤلّفين يا عزيزي، لا للمترجمين. ولذا ينضم المترجم إلى جوقة الناشرين في لعن المؤلّف وطمعه: لديك حقوق على الأقل، ونسبة أرباح.

نجيب محفوظ نفسه تحسّر على حقوقه الضائعة حين بدأت الدور اللبنانية تلطش رواياته وتقرصنها بعد العزلة التي فرضها العرب غير المطبّعين على مصر السادات. تغيّر الزمان وبقي المؤلّف على حاله، وبات أملُه الوحيد أن يظفر ورثته بفتات قليل يسترهم بعد أن شرشحهم ربّ العائلة في حياته. ينطّ الناشرون نطّة أخيرة لينتهي المشهد بعبارة توبيخية: حتى نجيب محفوظ مظلوم، أين أنت وأين نجيب لتطالب بما تدعوه حقًّا؟


* كاتب ومترجم من سورية

المساهمون