حقائق مكبوتة

14 فبراير 2023
عمل للتشكيلية رباب نمر ضمن معرض "رفقاء عُمْر" المقام حالياً في "غاليري المرخية" بالدوحة
+ الخط -

بما أنّ الحروب تؤدّي في أحد آثارها المباشرة إلى الشتات القسري لجزء ذي صلة من السكّان المدنيّين المتضرّرين، فلا يوجد سبب مشروع للتمييز بين الضحايا المختلفين. ورغم أنّ الحدود الرمزية بين "نحن" و"هم" يتم تنشيطها في الممارسة العمَلية مع كلّ حرب، فإنّ تجاهل ويلاتها عندما تحدُث في مناطق أُخرى من العالم، يتعارض مع أبسط الالتزامات الدولية لسيادة القانون: مَنْحُ اللجوء إلى الذين طُردوا من منازلهم.

ومع ذلك، فإن مسؤوليته أكبرُ بكثير: منعُ سياسات الغرب الخارجية، بما في ذلك سياساته الحربية والتشجيع على الحروب، من الاستمرار في إحداث الخراب بجميع أنواعه، كانتشار المعاناة والاضطهادات المتعدّدة والدمار البيئي والمجاعات التي يمكن تجنّبها تمامًا. ليس هذا هو حال دولهم المعتادة على الاستعانة بمصادر خارجية في الأزمات الإنسانية، بينما هم يواصلون صفقات الأسلحة الضخمة الخاصة بهم. في الواقع، ستكون هناك حرب ما دامت هذه الأعمال - وتلك التي تحدثُ لها مرتبطة بكلٍّ من إعادة الإعمار وصناعة الأمن وسوق الائتمان - سائدة على حياة البشر.

الموتى أيضًا مُربحون لمجمّع صناعي عسكري يتغذّى على النزاعات

إنها إحدى الحقائق المكبوتة للرأسمالية؛ فالموتى أيضًا مُربحون لمجمّع صناعي عسكري يحتاج إلى إحداث نزاعات مسلّحة بشكل دوري. في هذه الصناعة، بالطبع، تشارك الدول أيضًا، بما في ذلك إسبانيا - القوة العالمية السابعة في تجارة الأسلحة الدولية - في تدبيج الخراب لغيرها. الحقيقة الرهيبة للحرب تُخفي الحرب الحالية ضد الحقيقة.

إذا أصبحت الحرب مشكلة عالمية، فلا يمكن أن يقتصر الحلّ الدائم على بديل محلّي، نتاج صدمة سريعة الزوال إلى حدٍّ ما.

لا يمكن استبعاد أنه عندما تنتهي هذه الحرب الجديدة، فإنّ أولئك منّا الذين لم يجرّبوها من قبل، سوف ينسون مرّة أُخرى الفوضى التي خلّفتها في أعقابها. إذا كان ما هو على المحكّ هو وعد بالعدالة، فإنّ إمكانية هذا الوعد تكمُن في هدم القصر الزجاجي المُسيَّج جيدًا الذي أصبحت عليه أوروبا.

حقيقة أن قوة إمبريالية تدمّر الآن نوافذ ما كانت حتى يوم أمس غرفتها الخلفية (أو حظيرتها)، فلا يتغيّر التشخيص: "الإنسانية" باعتبارها إيماناً ميتافيزيقياً بالكرامة الإنسانية، هي نفاق إذا لم تستنقذ وجهها مِن الذي داسه أيّاً كان. هذا ينطبق أيضًا على أولئك الذين يدوس عليهم الغرب. ففي نهاية المطاف، ترتكز رفاهية مجتمعاتهم على ملايين "الأرواح الضائعة"، كما يشير باومان.

وقد تكون الإشارة إلى الآخر تذكيرًا جديدًا بالمقالب البشرية التي اخترعها "العالم الأول" المزعوم، مع تلك العوالم الأُخرى التي يحتقرها أثناء نهبها. قد تكون هذه الإشارة المقيّدة هي أيضًا طريقة لاستجواب هذا "نحن ـ هم" المتمركز حول العِرق الذي يدّعي لنفسه الحقوق التي يُنكرها على الآخرين. وبما أن الحرب في أوكرانيا سوف تُنسى عاجلًا وليس آجلًا، فسيتعيّن عليهم أن يسألوا مرّة أُخرى: ما الذي نفعله حتى يكون لآلام الآخرين - بِغضِّ النظر عن مصدرها - ملجأ؟
 

* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون