مع رحيل المفكّر والناقد الأدبي الفرنسي - الأميركي جورج ستاينر عام 2020 (وُلد عام 1929 في ضاحية نويّي سور ـ سين قرب باريس) توقّفت واحدة من أكثر التجارب تنوّعاً وإنتاجاً في الكتابة النظرية الغربية، حيث نشر أعمالاً في اللسانيات، وفلسفة اللغة، والتنظير الروائي، وتاريخ الأدب، والفلسفة، إضافة إلى عدد من الروايات والكتب السردية.
على أنّ رحيل صاحب "اللغة والصمت" لم يحل دون حضوره المستمرّ في المكتبات، حيث صدر منذ رحيله عددٌ من الأعمال التي تتناول تجربته، كما أن دار "الآداب الجميلة" (لي بَال ليتر) الباريسية أعادت أخيراً طباعة عدد من أعماله، ومن بينها "تولستوي أو دوستويفسكي"، أحد أبرز مؤلّفاته حول الأدب.
وللكتاب ــ الذي صدر للمرّة الأولى بالإنكليزية عام 1960 ــ مكانةٌ خاصّة في تجربة ستاينر، حيث كان أوّلَ مؤلّفاته المنشورة، والعملَ الذي وضع اسمَه تحت الأضواء رغم حداثة سنّه في ذلك الوقت.
ينظر ستاينر إلى الروائيَّين الروسيَّين بوصفهما "أكبر الروائيين" الغربيين، حيث يقارنهما بالعديد من مؤلّفي القرن التاسع عشر، ولا سيّما الفرنسيّين (بلزاك وفلوبير) والإنكليزيّين (تشارلز ديكنز)، ليخلص إلى أنهما الوحيدان اللذان استطاعا التعبير على نحو جديد تماماً عن الروح البشرية من خلال السرد.
لكنّ جمع الروائيَّين الروسيَّين في هذه الخانة لا يعني أبداً تشابه أدبهما أو حياتهما، حيث يعتقد ستاينر أنهما مختلفان في كلّ شيء؛ فـ تولستوي، بالنسبة إليه، روائيّ الطبيعة وعلاقة الإنسان بها، ما يجعله قريباً من هوميروس وأدبه الملحميّ؛ أمّا دوستويفسكي فهو، عنده، روائيّ التراجيديا، ما يتيح له تقريبَه من شكسبير ونظرته السوداوية إلى الطبيعة البشرية.