جسر

02 فبراير 2023
لاجئون فلسطينيون يعبرون نهر الأردن حين كان "الجسر" مُخَرَّباً، حزيران/ يونيو 1967 (Getty)
+ الخط -

1
في الهواء، في الطائرة، 
في تفتّح جِراح مُظلمَة،
أُمسك اثنين في يدٍ واحدة:
الأميركي الأزرق - جواز سفري - 
وهذا الشيء الآخر، 
"السلطة الفلسطينية"
مُذهَّب،
مشوَّه،
ملطّخ بلونه.
"إلى الجسر؟" 
يسأل الرجلُ المجازي،
الموظّفُ الأردني، 
ويختم جوازيَ الفلسطيني.

أهبط على الدرج الكهربائي
إلى حيث بيانو
وعازف
وتيار يأخذني.
أتقدّمٌ هذا
أم دوران؟


2
في التاكسي، في طريقنا إلى نقطة الحدود،
لا أقول شيئاً.
أشاهد الخريفَ البليدَ 
من النافذة المغطّاة 
بغبارٍ أليف
ومرارة.
ما أخضرَ هذا المشهدَ،
وما أكثرَه زيتوناً!
تحسُّباً لعقبةٍ ما في الطريق،
أخبِّئ الأميركي الأزرق في جيبي،
تحسّباً،
لعقبة ما.
كم كنتُ مخطئاً
وأنا أُقلّب القديمَ والجديد
في قبو بيتنا في فيلادلفيا،
القديمَ والجديد:
ما أقدمت عليه وما تردّدت فيه.
كم كنتُ مخطئاً،
حين وصل المغلّف في البريد
- جواز سفري -
مدخلي إلى حياة أميركية جديدة،
كم كنت مخطئاً حين قلت:
بعد هذا
لا بدَّ للبال أن يهدأ. 


3
الأرض تأخذك هناك من تلقاء نفسها
ولكن الكعكة التي اقتُسِمت
تظلّ تُخبَز
في شمس تشرين
وتأمّلاتِها.
تحضرني 
فجأةً
من عالم آخرَ بعيدٍ
كلماتُ أبي:
[من عمان إلى بيت لحم،
قبل هذا كلّه،
ساعتان 
في السيارة].


4
تُظلِم السماء
ونحن ننتظر.
لا أعرف أريحا
إلا ساعةَ الانتظار،
متّكئاً على باصٍ أصفر
قرب سائق ينفث الدخان 
ويشكو من قلةِ الركاب 
إلى بيت لحم.

[هنا 'استراحة'
هكذا يسمّونها،
تزدحم بالشاحنات
التي تأخذ وتأخذ 
جُموعاً وجُموعاً 
وافدةً إلى الجانب الفلسطيني،
بعد أن عبروا من باص إلى باص،
من الأردن إلى الجانب 'الإسرائيلي'
فوق الجدول المختنِق
ذاك الذي كان يوماً
نهرَ الأردن].


5
نربط الأحزمة وننطلق
نحو المستوطنات.
تلوح من بعيد يافطة:
القدس!
فنمضي في اتجاه آخر.
نتفادى ونحاذر الطرقَ المستقيمة.
دائماً، مسارات ملتوية.
دائماً، سفوح وعرة.
نعلو ونهبط
إلى حيث تتبعثر القُرى الفلسطينية.
ندور حول مدينتنا المقدّسة،
يحرّكنا نداءُ وادي النار،
والصدى.
[وحالما نخلص
من بين المستوطنات
نفكّ الأحزمة، 
نحرّر الجسد
المحكوم بالخراب].


6
جوانب الباص،
مركبتِنا المتّجهة إلى بيت لحم،
كلّها حواسُ يقظة.
صوت المؤذّن، 
جلبة الجزّار،
دمٌ وعظم،
سيارة وموقف،
محرّكٌ مكشوف،
نسيم يحفّ بالأذرع، يعبث بالشعر،
ثم السفح والمنحدر، 
المنعطف والمطبّ.
وبعد المعبر،
في القفر،
دكّانٌ صغير
للحلويات.
[اليوم عند المعبر 
كانت تلويحةٌ، فعبرنا.
في أيام أُخرى، يكون انتظار.
وفي أُخرى، أسئلة لا تكلّ].
في الذهن
أسلاكٌ شائكة وحجارة.
[في الذاكرة حديد صَدِئ،
وقضبان خضراء تُورق].
على جزيرةٍ
وسط الطريق،
كيف استطاعت 
السيارة صعود
هذا المُنحدَر؟
وعند مدخل وادي النار
موظّف السلطة 
واقفٌ
يلوّح لنا 
بالموت.
[هنا 
ينتهي الدوران، 
هنا تنتهي الطرق المُلتوية
حول القدس.
نصعد التّلة.
وإذا كان ما زال في النهار ضوء،
تلوح لنا قبة الصخرة
ألقاً في العيون].


7
- ها نحن اقتربنا:
أقول.
- عليكَ أن تتراجع
فلا مخرجَ من الطريق الضيق
إلّا إلى الوراء.
- حسناً،
يقول السائق.
[نسيتُ، 
نعم.
أذكّرُ نفسي
بأني نسيت].
عند بوابة بيتنا الحديدية،
التي صارت خضراء الآن،
أتذكّر لونها القديم،
ترابياً باهتاً.
- توقفْ هنا، أقول له.
فيتوقّف.
يخرج من السيارة،
ليُنزل لي أمتعتي.
أُخرِج محفظتي
لأدفعَ له 
بعملة غريبة.
[هنا الآن،
أنسى
وأتذكّرُ،
وأنفضُ عني
الرياح،
أخيرًا].


* شاعر من فلسطين يكتب بالإنكليزية، والنص جزء من عمل شعري قيد الترجمة الآن. ترجمة: هدى فخر الدين

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون