"جسد الغريب" لعاصم حمشو.. عدسة تقتفي أثر المُهجَّرين

18 مارس 2023
من مجموعة "جدران"
+ الخط -

إذا كانتِ الكاميرا قد لعبت دوراً فارقاً في نقل الصورة الحيّة والعفوية عن الثورات العربية منذ انطلاقتها؛ فإنّ التصوير بما هو فنٌّ له خصوصيته، ترجم تلك الالتقاطات ونقلَها إلى مستوىً جماليٍّ أرفع، تتقاطع فيه عدّة رؤى. ضمن هذا الإطار، ولمناسبة الذكرى الثانية عشرة للثورة السورية، افتُتح في التاسع من آذار/ مارس الجاري في "صالة أوروبيا" بباريس، معرضٌ للمصوّر السوري عاصم حمشو (1980) بعنوان "جسد الغريب"، والذي يتواصل حتى السابع من نيسان/ إبريل المقبل. 

يتحدّث حمشو عن مشروعه ومضامينه، والمراحل التي تكوَّن من خلالها، فيقول إلى "العربي الجديد": "ساعدت ثورة التكنولوجيا السوريين في إيصال صورتهم، كما صوتهم، إلى الكثير من المنابر الإعلامية في بداية ثورتهم؛ حيث كانت الكاميرا إحدى أهم، أو ربما سلاحهم الوحيد في معركتهم ضد آلة القمع والقتل".

ثنائية الأبيض والأسود تكثّف حالة المنفيّين والمهجّرين الشعورية

ويضيف: "قبل الثورة كنّا نسمع عبارة 'واجَهوا الرصاص بصدور عارية'، كنّا نسمعها في نشرات الأخبار أو نقرأها في خبر أو مقال ما. أمّا بعد انطلاق ثورات المنطقة العربية، فبدأنا نشاهد هذه الجملة على شكل مقاطع فيديو، أو صور على شاشات هواتفنا بشكل يومي. بعدها انتقلنا إلى مرحلة أُخرى تمثّلت في رحلة اللجوء السوري عبر البحر؛ وهنا أيضاً كان للكاميرا حضورُها في تتبُّع حالات الاغتراب، ومن هنا بدأت فكرة المشروع".

الصورة
من معرض عاصم حمشو - القسم الثقافي
من مجموعة "دوائرنا"

تتأسّس أعمالُ حمشو في "جسد الغريب" على تجربة اللجوء التي يعيشها في فرنسا منذ أكثر من عشر سنوات، وهي امتدادٌ لتجربة النشاط السياسي التي خاضها في سورية. وعن سؤال "العربي الجديد" إنْ كان المعرض يدور في ذات أُطر وموضوعات الفن السوري اليوم حول السياسة واللجوء، يجيب حمشو: "'جسدُ الغريب' يضيء على الفرد/ الغريب، ويرصد تحوّلاته وعلاقته بالمكان الذي أُجبر أن يكون فيه، وذلك من خلال مجموعاتٍ أربعة تنقسم إليها الصور، وتقدّم كلٌّ منها مقاربة حول الضغوطات النفسية والاجتماعية التي تفرضها الحلقات الاجتماعية الجديدة/ القديمة على الغرباء فيها، ولا تنفصل التجربة الشخصية التي تجسّدها الصور هنا عن الهمّ العام، إنما تتفاعل معه، وتستند إليه". 

لا تنفصل التجربة الشخصية التي تجسّدها الصور عن الهمّ العام

وعن حدود الخصوصية والعمومية في معرضه، يقول حمشو: "الصور المقدَّمة في هذا المشروع التقطها غريبٌ وتطوّعَ للظهور فيها غريبٌ أيضاً، ممّن عرفوا معنى الاقتلاع القسري من أمانهم وأوساطهم الاجتماعية، ما يترك هذه الصور تجولُ على مساحة واسعة من الخيارات، تنطلق حدودُها من أقصى الخصوصية والحميمية والفردية، إلى أقصى الحالة العامة التي يعيشها اليوم ملايين المهجّرين والمقتلَعين من مجتمعاتهم، وهو ما يُكسبُ هذا المشروع الفني راهنيته، ويثبّتُ ارتباطه العضوي بموضوعه".

الصورة
من معرض عاصم حمشو - القسم الثقافي
بعض تفاصيل الجسد قد اختفت أو تاهت في الظلام

تحاور عدسة حمشو الجسدَ والمكان ضمن توليفة ورؤية تصويرية واحدة، وهذا يعود إلى أنّ التصوير في ذاته يستلف من الفنون الأُخرى، كما يؤكّد في حديثه إلى "العربي الجديد" قائلاً: "المصوّر هو نفسه ذلك الفنّان الذي يرسم بريشته وألوانه على الورق ما يريد قوله ولا تسعفه اللغة. المصوّر يلتقط الزمن ويوقفه؛ يرسم بالضوء ويبرمج كمِّيته الداخلة إلى عدسته ليقول ما يريد. وفي 'جسد الغريب' أحاول رسم كلّ التأثيرات التي مرّ ويمرّ بها هذا الجسد الغريب، في اللامكان الذي وصل إليه، حيث أنه اليوم، وفي غالب الأحيان، يعيش في وبين أبنية وشوارع ومجتمعات لا يعي إن كان ينتمي إليها أم لا، تشبهه أو يحاول التشبّه بها، وفي نفس الوقت هو لم يعد ذلك الإنسان الذي كان ينتمي ويعيش في وبين أبنية وشوارع ومجتمعات نشأ فيها وترعرع على تفاصيلها. لهذا السبب نجد في 'مجموعة الجسد' من المشروع أن الجسد غير مكتمل التفاصيل، أو أن بعض تفاصيله قد اختفت أو تاهت في الظلام".

الصورة
عاصم حمشو - القسم الثقافي
عاصم حمشو أثناء افتتاح المعرض (صالة أوروبيا)

يعتمد حمشو في معرضه على الأبيض والأسود، مستكملاً أجواءً لونية تُميِّز ما يشتغله عادةً. وعن هذا الخيار اللوني يقول لـ"العربي الجديد": "جرى العمل خلال فترات طويلة للتحضير لـ'جسد الغريب'، واستند ذلك إلى مراقبة مكثّفة وتسجيل ملاحظات؛ وذلك بهدف الخروج بحالات تعبّر عن مشاعر الغرباء والمقتلَعين والمنفيّين والمهاجرين قسراً أو طوعاً، والموجودين في أماكن ليس بالضرورة أن تكون مرحّبة بهم على الدوام، مع ما يتركه هذا الوضع من أثر على النفس".

ويختم: "ضمن هذا السياق لم يأت خيار الأبيض والأسود، إلّا ليحاكي ثنائيات الشعور بالوجود أو عدمه، الانتماء ونفيه، الأمان والخوف، وغيرها من المشاعر المتناقضة، التي ساعد خيار الأبيض والأسود في هذه الصور أن يكون حاملاً أميناً لها. في المقابل كانت مفردات النفق، والدرج، وضوء الشمس هي الأدوات الأساسية التي استكملت تشكيل هذا العمل، إذ ساهمت خيارات كوادر الصورة المنسجِمة مع الأبيض والأسود، في نقل الحمولة النفسية والشحنة العاطفية التي هدفت هذه الصور إلى مقاربتها وعرضها".

المساهمون