تمثال شولوخوف في الإسكندرية: أشكال أُخرى من التشويه

19 ديسمبر 2021
ميخائيل شولوخوف (Getty)
+ الخط -

يوم الأحد الماضي، قدّمت "نقابة الفنّانين التشكيليين" في مصر تمثالاً للكاتب الروسي ميخائيل شولوخوف (1905 - 1984) في مدينة الإسكندرية، تحديداً قبالة ملعب كرة القدم. وهو عمل من تصميم النحّات المصري أسامة السروي. ولعلّ أوّل ملاحظة يلتقطها متابعُ واقع تنصيب التماثيل في مصر هو أنّه عملٌ جيّد من الناحية الفنّية ولا يجلب موجات السخرية والاحتجاج على التشويه، كما حدث مع شخصيات أُخرى جرى تنصيب تماثيل لها في السنوات الأخيرة، مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبّاس محمود العقاد.

كان يمكن أن يكون تنصيب تمثال شولوخوف حدثاً بصريّاً بامتياز، غير أنّه على الرغم من وقوعه تحت إشراف النقابة، لن نجد بخصوص تقديمه للرأي العام إلّا مقطعاً مصوّراً بطريقة بدائية منشوراً في صفحة النقابة على موقع فيسبوك. وكان يُفترض أن نجد عناية خاصة بتصوير التمثال من قبل "الفنانين" المشرفين على رفع الستار عنه.

لـ"نقابة الفنانين التشكيليين" موقع إلكتروني (synd-arts.com)، لكنّنا لا نجد فيه أثراً لخبر تنصيب التمثال، مقابل حضور عشرات المقالات والإعلانات الإدارية، وكثير منها لا يمتّ بِصِلةٍ إلى الحياة التشكيلية، فضلاً عن فقرٍ جماليّ في هذا الموقع الذي يفترض أن يكون مثالاً يُحتذى به في العناية البصرية.

في الفيديو الوحيد الذي يقدّم الفعالية، وفي حين تغيب عنّا تفاصيل التمثال أو إضاءات حول علاقة الكاتب الروسي بالمدينة المصرية، يبرز حضور الشخصيات الرسمية والجانب البروتوكولي بشكلٍ فجّ؛ إذ حضر حفل رفع الستار عددٌ من أعضاء البعثة الدبلوماسية الروسية وموظّفون في المراكز الثقافية الروسية في مصر، ومحافظ الإسكندرية وغيره من الشخصيات الرسمية، وهو ما يشير إلى بُعدٍ سياسي، كأنما جرى الاجتهاد في إبرازه ضمن خطاب الصداقة المصرية الروسية وغير ذلك ممّا يُقال في مثل هذه المناسبات، وذلك ما التقطَته أيضاً معظم وسائل الإعلام المحلّية من الخبر.

تطغى تغطية الجوانب الرسمية على محاولة إضاءة ما هو فنّي أو ثقافي

هكذا، وفي حين أمِن تمثال شولوخوف من التشويه البصريّ المباشر، وجد نفسه عرضة لأشكال أُخرى من التشويه الرمزي التي لا تقلّ خطورة، وهو ما يؤكّد مرّةً أُخرى العدوانية العامّة تجاه الفنون البصرية في مصر وغيرها من البلدان العربية، وهي عدوانية لا تقوم بالضرورة على نيّات مبيّتة، بل تتجلّى في كثير من الأحيان في صورة إهمال عفويّ أو تهاوُن بريء أو محاولات توظيف سطحية.

يبقى أن نسجّل نقطةً إيجابية في استضافة مدن عربية لتماثيل مبدعين من العالم. الأمر نادر إلى حد كبير وتوسُّعه يفكّ عزلة المنطقة العربية عن الثقافة العالمية وإن بشكل رمزي، لكن من الضروري التفكير جدياً في تثمين مثل هذه الخطوات وتنقيتها من شوائب اللغة الخشبية، وإلّا فالأمر لن يعدو أن يكون مجرّد حفل بروتوكولي مما يُقام كلّ يوم في القنصليات والمصالح الإدارية.

المساهمون