"تبيّن" 47: عن قضايا أخلاقية في أزمنة صعبة

22 فبراير 2024
آثار الغارات الإسرائيلية الوحشية في شمال قطاع غزة (Getty)
+ الخط -

صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" و"معهد الدوحة للدراسات العليا" العدد السابع والأربعون (شتاء 2024) من دورية "تبيُّن" للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية، الذي تضمّن ملفًّا ثانيًا تناول قضايا فلسفة الأخلاق المعاصرة.

"قضايا أخلاقية في أزمنة صعبة" عنوان مقالة المفكر العربي عزمي بشارة، وهي صيغة معدلة من مقالة بالعنوان نفسه نُشرت على موقع "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، إذ أوضحت هيئة تحرير "تبيُّن" أنها طلبت استثنائيًا نشرها لكونها تضيف إلى ملفيها حول فلسفة الأخلاق.

وتضيء المقالة المعضلات الأخلاقية التي تواجه الإنسانية، نتيجة للأعمال الوحشية التي تُرتكب خلال الحرب على غزة، والوسائل التي تستخدم لتحييد الحكم الأخلاقي على ما يُرتكب من جرائم ومعالجتها على حدة، على الرغم من التجييش والاستقطاب السياسي وحتى الهويّاتي المرافق للحرب. 

تضمّن العدد ملفًّا ثانيًا تناول قضايا فلسفة الأخلاق المعاصرة

ولا تنطلق المقالة، إذ تقوم بذلك، من أن الأخلاق تقتصر على مبادئ فوقية تشتق منها الأحكام بالقياس والمحاكمة العقلية، بل إنها قبل ذلك تعود إلى طبائع يفترض وجودها في البشر (التمسك بالحياة، النفور من التسبب في الألم الجسدي للبشر، التطلع إلى الاعتراف ... إلخ). وهذه ليست في حد ذاتها مبادئ أخلاقية، بل تشكّل أساسًا طبيعيًا لنشوء الأخلاق (وهي في الوقت نفسه يمكن أن تشكّل نواةً لقيم إنسانية كونية). ويجوز الحكم أخلاقيًّا على أفعال الدول انطلاقًا من أحكام الفرد الأخلاقية وبناءً على المعايير الأخلاقية التي أرستها الدول في مواثيق ومعاهدات، ولا يجوز أن تُحيَّد الأخلاق زمن الحروب. 

كما تجادل المقالة بأنه إذا كانت إسرائيل وأصدقاؤها يبررون جرائمها بأنها دفاعٌ عن النفس، فإن ذلك محض كذب، لأن إسرائيل دولة احتلال، وليس للاحتلال حق الدفاع عن النفس، بل إن حق الدفاع عن النفس (وهو حق مشروط) متمثل في مقاومة الاحتلال. وأما وصف المقاومة الفلسطينية في غزة بأنها "شر مطلق فليس حكمًا أخلاقيًّا بقدر ما هو استراتيجية هادفة إلى حظر محاولات فهم خلفية عمليات المقاومة. 

غلاف الكتاب

وتُجري المقالة أيضاً نقاشًا مع يورغن هابرماس وشيلا بن حبيب حول مواقفهما من الحرب على غزة، وتنقد انحيازهما إلى إسرائيل، وتكشف المغالطات التي وقعا فيها.

واشتمل العدد على دراسات عدّة، هي: و"تمثلات الأنموذج الأخلاقي في خطاب الفكر العربي المعاصر: قلق في سوابق الحداثة" لنورة بوحناش، التي تشير إلى ان الفكر الأخلاقي العربي المعاصر يفتقر إلى الاستقلالية والأفق المنتج. ويتقمص الأنموذج الغربي شكلًا ومضمونًا؛ مسلمًا به تسليمًا قبليًا عبر مقولة مُمَأْسَسَة. يقول لسان حالها إن الفكر العربي يفتقد الإجابة عن سؤاله الأخلاقي منذ قديم ولّى، إلى راهنٍ يصمت فيه قبالة أسئلة الإنسان والقيمة، خاصة في العصر العلمي التقني، حيث تتعقد الأزمة الأخلاقية وتضيق المعايير إلى حد التلاشي، ويصير هذا الفكر إلى الانسداد والتمركز في هوية متخيلة من جانبين: جانب تراثي، يكرر الماضي متشبثًا به. وجانب حداثي يقدم البديل الغربي بثقله التاريخي الموزون بمعايير العقلانية والإنسانية.

"العتبة الثانية من العلمنة الأخلاقية في المعاني والأصول" عنوان دراسة عبد الرزاق بلعقروز التي تسعى إلى تحليل مفهوم العتبة الثانية من العلمنة الأخلاقية ومصادرها - ما بعد الواجب - التي تغيّرت معها مفاهيم أساسية في الفلسفة الأخلاقية، مثل الإلزام والحرية والفردانية والانضباطية الاجتماعية والغايات النهائية.

تضيء مقالة المفكر العربي عزمي بشارة المعضلات الأخلاقية التي تواجه الإنسانية، نتيجة للأعمال الوحشية التي تُرتكب خلال الحرب على غزة

أما دراسة "خطاب العدل في الفكر العربي المعاصر: دراسة تحليلية ونقدية لنماذج أيديولوجية ونظرية" للزواوي بغورة، فتهدف إلى دراسة هذا الخطاب معتمدًا على مدونة أولية من الخطابات - النصوص التي ألَّفها مفكرون عرب معاصرون، وذلك بهدف استخلاص جملة من العناصر والقواعد التي تنظم هذا الخطاب وتوجهه، بينما تتطرق دراسة "من وجهة أخلاق الفعل إلى وجهة أخلاق الفاعل: جدل النتائجية والآدابية وأخلاق الفضيلة في الفلسفة الأخلاقية المعاصرة" لمنير الكشو،  إلى الخصومة القائمة في فلسفة الأخلاق المعاصرة بين ثلاثة اتجاهات كبرى، وهي النتائجية والآدابية وأخلاق الفضيلة.

ويتناول رجا بهلول في دراسته "حول نظرية المؤامرة" بالتحليل نظرية المؤامرة، والمقصود بها مقاربة فكرية في تفسير الأحداث والظواهر، يزعم أصحابها أن الأسباب المؤدية إلى حصول كثير من الأحداث والظواهر ليست الأسباب التي تعلن عنها الجهات الرسمية والتي تتناقلها وسائل الإعلام، بل إن هناك جهات خفية تقوم سرًا بتدبير الأمور من أجل خدمة مصالح قد تكون معروفة أو غير معروفة في العلن.

وضمّ أيضاً ترجمة منصف الداودي لمقالة ستانلي كلارك بعنوان "النزعة الضد-نظرية في الأخلاقيات". وفي باب "مراجعات الكتب"، نُشرت مراجعتان: الأولى مراجعة كتاب مسألة الدولة: أطروحة في الفلسفة والنظرية والسياقات لعزمي بشارة، أعدّها رشيد الحاج صالح، والثانية لكتاب الديمقراطية المستحيلة؟ السياسة والحداثة عند فيبر وهابرماس لإيف سينتومير، أعدّها عبد العزيز ركح.
 

المساهمون