استمع إلى الملخص
- الوضع الراهن يكشف عن ضرورة إعادة تقييم الاستراتيجيات السياسية والاجتماعية لتحقيق التضامن العربي الفعلي، ويبرز الحاجة لمواجهة الأزمات بوعي وإرادة عربية موحدة.
- القمة سلطت الضوء على تأثير السياسة الأميركية في تقسيم العرب وتراجع قضية فلسطين كمحور مركزي للتحرك العربي، مما يدعو لإعادة تعريف الهوية والأهداف العربية.
من جديد، انعقد الانقسام والتفرُّق العربي باسم الاجتماع واللقاء. انعقد الانشقاق باسم الوحدة، والسُّبات باسم الفعل. من جديد، انعقد لقاء "القمّة العربية" الأخير (16 أيار/ مايو)، في ظلِّ العدوان الإسرائيلي على غزّة، ومن جديد، بدت الأنظمة العربية بانتظار أن تأتي الولايات المتحدة الأميركية، والدول الأوروبية، لكي تتدخّل وتوقف الإبادة التي ترتكبها "إسرائيل"، منذ أكثر من سبعة أشهر في غزّة.
لو سألنا اليوم، كيف يتجلّى الوضع السياسي العربي الراهن على خلفية القمّة، وفي ظلّ ما تزال تعمل عليه "إسرائيل" من استئصال غزّة - فلسطين من خريطة المنطقة والتاريخ؟ لو سألنا: ألم تؤكّد "قمة القادة العرب" أنَّ مفتاح حلّ المشكلة الفلسطينية، والمشكلات العربية كلّها، ليس عند العرب أنفسهم، ليس في إرادتهم، ووعيهم ووحدتهم، وإنّما في الخارج؟
على الصعيد العربي، أثبتت القمّة، من بين العديد من الأشياء الأُخرى، أنَّ الحديث عن ماضٍ عربيٍّ مشترك أسهل بكثير من الحديث عن مستقبل عربي مشترك ممكن، رغم البيان الختامي المتمسّك بالحقوق "ظاهرياً"، والداعي لـ "الوحدة" و"التكامل" و"التضامن" العربي شكلياً.
أثبتت القمّة، عملياً، أنَّ الأنظمة العربية تفتقر لنواة صلبة هي الوحدة الكاملة، ليس بين البلدان العربية فحسب، بل بين الأنظمة وشعوبها أيضاً، ذلك أن هذه الأنظمة لن تجد بين مواطنيها إلا من يناضل معها ضد "إسرائيل" وضدَّ السياسة الأميركية.
الحديث عن ماضٍ عربي مشترك أسهل من الحديث عن مستقبل مشترك
أثبتت أيضاً أنّ الفضاء العربي ليس أكثر من بُعدٍ استراتيجي مُسخّرٍ لإملاءات السياسة الأميركية، التي تفرض لا التطبيع مع "إسرائيل" فحسب، بل العمل من أجله أيضاً، ومحاربة كلّ ما من شأنه أن يحول دون تحقيقه.
كشفت القمّة العربية أنَّ الولايات المتحدة الأميركية، إن كانت قد نجحت في تقسيم العالم، فإنّها نجحت في تحويل العرب إلى أشتات وجزيئات وشراذم. وقد يكون المفجع المبكي في هذا كلّه أنّها نجحت في تحويل العرب إلى دويلات وملوك طوائف بأدوات العرب أنفسهم، وأموالهم، وثقافتهم، أي من الداخل.
في كلمة الجلسة الافتتاحية للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، ما يؤكّد ذلك. وفيها، خصوصاً في الجانب الذي يستشهد فيه بالأندلس كمركز للحضارة العربية في القرون الوسطى، إشارةٌ على تشرذمهم الحالي، وعلى الفراغ المعرفي والفكري والحضاري والثقافي والسياسي الذي يعيشون فيه حاضراً. وفيه امتهانٌ للوجود العربي في شكله الراهن، وامتهانٌ لتلك الأنظمة التي عجزت، عربياً، عن تحقيق إنجاز واحد من إنجازات الحضارة الأندلسية، اللهم إلا التفكّك إلى دويلات ملوك طوائف.
كشفت القمّة عربياً، أيضاً، أنَّ هاجس التمسّك بالسلطة عند معظم الأنظمة هو البوصلة التي تحرّك الرؤية السياسية العربية.
على الصعيد الفلسطيني، كشفت القمّة عن جانب مهمٍّ من واقع الرؤية السياسة العربية وهي أنّ فلسطين لم تعد مسألة كيانية بالنسبة للعرب، وإلا لكانوا، بقليل من الشجاعة والجرأة، أجبروا الغرب على تبنّي موقف واضح إزاء العدوان الإسرائيلي، وحدّدوا علاقاتهم ومصالحهم وسياساتهم مع دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، استناداً إلى ذلك الموقف.
كشفت القمّة العربية أيضاً أنَّ غزّة لا تحارب النظام الإسرائيلي وحده، بل تحارب الطغيان الأميركي والأوروبي. وتحارب الاستسلام العربي والخضوع شبه التام.
كشفت القمّة العربية أيضاً أنَّ الحكام العرب لا يشعرون أنّهم أحياء إلّا عندما يموت أطفال غزّة.
* كاتب ومترجم سوري مقيم في إسبانيا