منذ أكثر من عقدين والكاتب الفرنسي، بيير بايار، يشتغل في منطقة قلّما توجّه إليها المؤلّفون الجادّون؛ منطقة جعلت منه واحداً من أكثر مؤلّفي بلده "مشاغبةً"، حيث لا يكفّ عن طرح أسئلة وفرضيات ونظريات لا تأبه بالأخلاقيات والقواعد الشائعة في عالم الأدب والفكر والفن، بل تسعى إلى قلْبها رأساً على عقب أو إلى إظهار هشاشتها.
هكذا، وضع بايار (وهو أيضاً محلّلٌ نفسيّ) أعمالاً تقترح، مثلاً، تحسينات لبعض الروايات والكتب السيئة أو التي لم تلقَ نجاحاً حين صدورها، وأعمالاً أُخرى يشرح فيها كيفية الحديث عن كتب لم نقرأها، أو عن أماكن لم نزرها، أو يبدّل فيها هوية مؤلّفي عدد من النصوص ليرى ما قد يدخله هذا من تغيير عليها.
عن منشورات "مينوي" (وهي الدار التي تنشر أعماله منذ ثلاثة عقود) في باريس، صدر حديثاً كتابٌ يستكمل فيه بيير بيار مشروعه هذا، تحت عنوان "ماذا لو لم تُولَد فرقة البيتلز؟".
يبني المؤلّف عمله هذا على فرضيّة استند إليها في العديد من أعمالها السابقة: إمكانية وجود عوالم موازية تأخذ فيها الأحداث مجرى آخر غير الذي أخذته في عالمنا هذا.
ومن هذا، مثلاً، تخيُّلُه عالماً لم تُتَح فيه صدفة اكتشاف المنتِج بريان إبستاين لفرقة البيتلز ــ وهو المنتج الذي كان سبباً أساسياً في شهرة الفرقة ــ، وهو ما كان ربما ليعني بقاءها فرقة عادية بين فرق أُخرى، بل ربما صعود فرق كانت أفضل منها على مستوى تأليف الموسيقى والكلمات، لكنها لم تنل حظّاً مثلها في الشهرة، كما هو حال فرقة "كينكس"، التي كان سيتغيّر مصيرُها (باتت اليوم شبه منسيّة) لو صادف طريقُها طريقَ إبستاين.
ويشمل بيير بايار بنظريّته هذه العديد من الكتّاب والمفكّرين والعُلماء، من شكسبير وفرويد وماركس إلى مارسيل بروست وسيمون دو بوفوار، حيث ينزع في كلّ مرّة قطعةً من ماكينة شهرتهم ونجاحهم ــ وهي قد تكون لقاءً ما، أو إعجاباً من ناشر ما بكتاب، أو صداقة عاطفية، أو أسلوباً كِتابياً لقيَ نجاحاً لأسباب استثنائية ــ لتفقد هذه الماكينة توازنها وربما سبب وجودها. وهو إذ يفعل كلّ هذا، فإنه يفعله ليكشف أن نجاح الكثيرين، وشهرتهم، ليس ضرورةً منطقية، بل نتيجة للصدف، وهو ما يعني إمكانية نجاح آخرين، وربما أحقّية نجاحهم، بدلاً منهم.