بيسان عودة.. توثيق يوميات العدوان

11 نوفمبر 2023
بيسان عودة
+ الخط -

قبل العدوان الصهيوني على غزّة، اعتادت الشابّة الفلسطينية بيسان عودة (24 عاماً)، الجلوس أمام أحد الأماكن التاريخية في مدينتها، لتسرد حكاياتها بابتسامة لا تفارقها. هكذا، اكتسبت لقب "الحكواتية"؛ وهو عنوان البرنامج الذي تطلُّ من خلاله على متابعيها على فيسبوك، لتُقدّم حكايات تاريخية وتراثية.

لكن الحرب الإسرائيلية الدموية على غزّة، المتواصلة منذ أكثر من شهر، والتي ارتكبت قوّات الاحتلال فيها مذابح مروّعة بحق البشر والحجر والشجر، غيّرت حياة الشابة الفلسطينية كلّياً. اليوم، وبدلاً من أن تطلّ على مواقع التواصل الاجتماعي لتروي تاريخ بلادها العريق وأبرز معالمه وآثاره الحضارية، صارت تُطلّ لتقول: "السلام عليكم. أنا اسمي بيسان، وأنا من غزّة، من فلسطين. والحمد لله أنني لساتني عايشة"، أو "معكم بيسان من غزّة. نحن لسّا أحياء. الساعة الخامسة مساء، وخلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، كان هناك أكثر من 320 شهيداً"، أو "مرحباً أنا بيسان من غزّة، ولساتني عايشة. ما يحدث في غزّة هو أنّ القوّات الإسرائيلية تقوم بتطهير عرقي وعائلات بأكملها حُذفت من السجلّ المدني".

تغيّرت يوميات "الحكواتية" أمام وحشية القصف الإسرائيلي الذي طاول مكتبها ومعدّاتها؛ فاضُطرّت وعائلتها للجوء مع آلاف النازحين إلى "مجمع الشفاء الطبّي" الواقع في مفترق طرق بالمنطقة الغربية الوسطى من مدينة غزّة. في أحد التسجيلات المصوَّرة، تصف عودة حالتها وحالة العديد من الفلسطينيّين الموجودين في غزّة، لكنّها وعلى الرغم ممّا تنقله عبر كاميرا هاتفها من مآسٍ ودمار وخراب، تؤكّد لمتابعيها تمسُّكها بالأمل. وهذا الأمل يكون تارةً في شكل مجموعة أطفال ينظّفون محيط "الشفاء"، وتارةً أُخرى في هيئة عجوز تُلهمها الصمود.

كأيّ فلسطيني أعزل في غزّة يلاحقه الاحتلال بترسانته العسكرية

أطفال غزّة، حجارتها، بحرها، مبانيها، سكّانها، وكلّ حبة تراب فيها. كلّ قصص الحصار هذه، داخل القطاع الذي حوّله الإسرائيليون إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، ترويها شابّة فلسطينية نجت مع عائلتها من القصف الإسرائيلي الذي لا يتوقّف إلّا ليبدأ من جديد، لكنها لم تنجُ من رعبه وويلاته، وبهذا تُمثّل نموذج المدنيّ الأعزل الذي تُلاحقه "إسرائيل" بترسانتها العسكرية وغاراتها الجوية.

وعلى الرغم من الكوابيس التي أصبحت جزءاً من حياة بيسان عودة، كما تقول، في أحد التسجيلات، ورغم صرخات أختها المتواصلة، أو صدى صوت زخّات المطر القوية في رأس والدتها (كناية عن الرصاص الذي لا ينقطع)، تصرُّ الشابّة الفلسطينية على الاستمرار في الإمساك بهاتفها المحمول لتوثّق ما عجزت أو تغاضت عنه وسائل الإعلام "الكبرى"، متنقّلة بين الأنقاض والشهداء.

في تلك الأماكن نفسها، حيث اعتادت بيسان عودة، قبل شهور قليلة، أن تجلس وتحكي القصص والحكايات التاريخية والتراثية، نراها، اليوم، ترصد يوميات مليونَي فلسطيني يعيشون في غزّة، عارضة بالصوت والصورة ما يحدث في تلك المدينة من حالة إبادة جماعية وتهجير قسري يتعرّض له المدنيّون.

موقف
التحديثات الحية
المساهمون