"بيروت العربي الدولي للكتاب": دورة في مساحات ضيّقة

17 ديسمبر 2022
من الدورة الرابعة والستّين
+ الخط -

بعد أزمة اقتصادية يتزايد تفاقُمُها منذ حراك 17 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، تلاها اقتحام الجائحة العالمية للحياة العامّة، ثمّ كارثة انفجار مرفأ بيروت في آب/ أغسطس 2020، وغير ذلك من الأزمات والانقسامات السياسية التي يشهدها لبنان حتى اليوم، عاد "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" للمرّة الثانية في عام واحد. لكنّ المعرض، الذي كان في يوم من الأيام، قِبلة للناشرين العرب، أصبح اليوم محلّياً بسبب "ضيق المساحة".

مع ذلك، فإن غالبية أصحاب دُور النشر الذين تحدّثوا إلى "العربي الجديد"، أجمعوا على وصف الدورة الرابعة الستّين (من 3 حتى 11 الشهر الجاري) بالإيجابية، على الرغم من الغياب الواضح للناشرين غير اللبنانيّين. ربّما استطاعت الدُّور اللبنانية الكبيرة تعويض هذا الغياب، بعد أن قاطعَت الدورةَ الاستثنائية التي نُظّمت في آذار/ مارس الماضي.


دورةٌ محلّية

يُثير غيابُ معظم الناشرين العرب عن المعرض التساؤل، خصوصاً أنّ الدورة جاءت بعد انقطاع استمرّ ثلاث سنوات، ما جعلها تبدو كما لو كانت مخصَّصةً للمشاركة المحلّية فقط. فمن أصل 130 داراً، لم تحضر في الدورة سوى خمس أو ستّ دوُر نشر غير لبنانية فقط، بينما حضرت في الدورة الثانية والستّين قرابة 235 دار نشر عربية من ثمانية بلدان.

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يربط مدير "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب"، عدنان حمّود، سبب هذا التراجُع بانفجار مرفأ بيروت، قائلاً: "أزال الانفجار ثمانين في المائة من قاعة العرض الكبيرة؛ إذ بقيت منها أربعة آلاف من أصل عشرة آلاف متر. لذلك كانت المساحة ضئيلة، ولا تكفي حتى جميع دور النشر اللبنانية".

تسبّب ضيق المساحة في وضع أكثر من ثلاثين دار نشر لبنانية على قائمة الانتظار، وهو رقم ليس بالصغير. وفي النهاية، لم تستطع المشاركة في الدورة. ونتيجةً لذلك، اكتفت إدارة المعرض بتوجيه الدعوات للدُّور المحلّية.

انخفض عدد المشاركين من 235 إلى 130 دار نشر

ويصف حمود غياب الدُّور غير العربية بأنه "خسارة" للدورة، ويستدرك موضّحاً: "لكنّنا كنّا محكومين بسبب ضيق المساحة، وواجَهنا الكثير من المشاكل مع دُور النشر اللبنانية بسبب عدم وجود مساحات كافية"، مُضيفاً: "بالتأكيد، لو شاركت دُور النشر العربية، فإنّ المعرض كان ليكون أفضل، فهو في النهاية هو عربيٌّ ودوليّ".

ولم تنعكس مشكلة ضيق المساحة على مشاركات دُور النشر اللبنانية وغيرها، بل أثّرت أيضاً على مساحات الأجنحة التي طلبتها الدُّور المشاركة، وخصوصاً الكبيرة منها. يوضح علي بحسون، وهو أحد أقدم موظّفي "دار الفارابي": "اعتدنا المشاركة في الدورات السابقة بجناح مساحته مئة متر، لكنّنا في الدورة الأخيرة حصلنا على جناح بمساحة أربعين متراً مربّعاً"، مضيفاً بأنّ دُوراً أُخرى حصلت على جناح بمساحة تسعة أمتار بدلاً من عشرين متراً.


مرّتان في سنة

مثل الحياة السياسية، يعيش لبنان انقساماً ثقافيّاً أيضاً. يتّضح ذلك من الدورة الاستثنائية التي نظّمها "النادي الثقافي العربي" في آذار/ مارس وسْط مقاطعة من الدور اللبنانية الكبيرة، وتداعياتها على الدورة الأخيرة التي راجت فيها أحاديث عن "استبعاد" دُور دون غيرها، بحسب ما وصلَنا من أحاديث سريعة مع بعض الناشرين، غير أنّ حمّود نفى ذلك في حديثه إلى "العربي الجديد"، قائلاً إنّ "ضيق المساحة كان سبب محدودية دُور النشر المشاركة".

وعن الاختلاف بين الدورتَين، يُوضّح حمود: "دورة آذار/ مارس كانت استثنائيةً؛ فقد انعقد المعرض في غير موعده المعتاد بعد انقطاع ثلاث سنوات. ورغم ذلك، كانت الدورة ناجحةً بسبب تعطُّش الجمهور اللبناني لحضور المعرض، والمشاركة في النشاطات الثقافية. أمّا النسبة لهذه الدورة، فإنها الدورة الرسمية التي تُقام في كانون الأوّل/ ديسمبر من كلّ عام".

تُعد "دار الفارابي" واحدة من بين دُور النشر اللبنانية التي فضّلت عدم المشاركة في الدورة الاستثنائية. ويُرجع بحسون ذلك إلى أنّ اتفاق "النادي الثقافي العربي" و"اتحاد الناشرين اللبنانيّين" ينصّ على أن إقامة المعرض نهاية كلّ عام، لكنّ "النادي لم يتّفق مع الاتحاد على صيغة للمعرض، ما جعل الأخير يرفض المشاركة في الدورة الاستثنائية. ونحن من جهتنا التزمنا بموقف الاتحاد".

خلال الدورة الأخيرة، نظّمت دُور النشر الكبيرة حفلات توقيع للعديد من الكُتاب طيلة فترة المعرض، على عكس الدورة الاستثنائية، وهو ما أعطانا حجّة للمقارنة بينهما. تصف زينة فرغل منسّقة قسم التوزيع في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، الذي حضر في الدورتَين، الدورة الاستثنائية بأنّها كانت "خجولة"، بسبب المخاوف المرتبطة بفيروس كورونا، وما تبع ذلك من أزمات مرّ بها لبنان. "لذلك لم يستطع الكثيرون زيارة المعرض حينها"، تُضيف في حديثها إلى "العربي الجديد".


دورة ناجحة؟

تتّفق فرغل مع بقيّة الناشرين في تقييم الدورة الأخيرة بشكل إيجابي، قائلةً بأنّها شهدت "إقبالاً وتنوُّعاً أكثر بين الجمهور"، مُضيفةً: "كانت دورةً ناجحة نوعًا ما بعد الانقطاع الذي حصل، وعلى الرغم من أنّ التوقيت والتاريخ كان قصيراً مقارنة بالدورات السابقة. كان المعرض يفتح أبوابه لاثنتي عشرة ساعة يوميّاً ويستمرّ لمدّة تتراوح من 12 إلى 15 يوماً. أمّا الدورة الأخيرة، فاستمرّ تسعة أيّام فقط".

كانت هذه النقطة محلّ انتقاد من معظم الناشرين، الذين عبّروا عن استيائهم من التوقيت وعدد الأيام، لأنّ المعرض كان، بالنسبة لهم، فرصةً للقاء الجمهور بعد انقطاع طويل. بدأت مديرة "دار رياض الريّس"، فاطمة بيضون، حديثها إلى "العربي الجديد" بالإشارة إلى أنّ "جمهور هذا العام كان كبيراً"، لكنّها أشارت إلى وجود استياء من الفترة الزمنية التي يفتح فيها المعرض أبوابه أمام الجمهور، موضّحةً أنّ "دُور النشر فقدت القرّاء الذين يرغبون بزيارة المعرض، إذ ما أخذنا في عين الاعتبار أنّ معظم الأشخاص يعملون حتى الساعة الخامسة مساءً"، وتساءلت بيضون هنا حول الإدارة أو الأشخاص الذين اتّخذوا هذا القرار الذي وصفته بالخاطئ.

دمّر انفجار مرفأ بيروت 80% من قاعة المعرض

وبالمقارنة مع الدورات السابقة، رأت بيضون أنّ الحضور في الدورة الرابعة والستّين كان "كبيراً، كما الدورات السابقة، لكن القدرة الشرائية لدى القرّاء قلّت كثيراً". ولمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية على القدرة الشرائية للقرّاء، قالت بيضون إنّ "جميع دور النشر راعت الوضع الاقتصادي للقرّاء، وحاولت إيجاد حالة توافقية بين الطرفَين من أجل الاستمرار".

أتاحت "دار الريّس" حسومات على بعض الكتب وصلت إلى خمسة وخمسين في المائة، رغم أنّ نظام المعارض يُحدّد الحسومات بعشرين في المائة. ومع ذلك، اعتبرت بيضون أنّ "لبنان سوقٌ محلّي، ونحن نعتمد على السوق العربي التي ساندت ودعمت الدور اللبنانية كثيراً خلال الأزمة الاقتصادية. وبالتالي، فإنّ السوق العربي هي التي كانت تخلق لنا توازناً مع السوق اللبنانية".

إضافة إلى الحسومات الكبيرة التي شهدتها الدورة، اتّجهت بعض الدور إلى تحديد سعر الصرف للدولار الواحد مقابل 15 ألف إلى 25 ألف ليرة لبنانية، مقارنةً بسعر السوق الموازية الذي يصل إلى أكثر من 40 ألف ليرة. وإلى جانب ذلك، تميّزت الدورة بانخفاض رسم الاشتراك، بعد أن اشترط "اتّحاد الناشرين" أن يكون سعر المتر الواحد للجناح قرابة 32 دولار بدلاً من 100 دولار، كما كان في الدورات السابقة، وهو ما كان عاملاً داعماً للناشرين في ظلّ الأزمة الاقتصادية الراهنة.

وقال مدير "دار الفرات للنشر والتوزيع"، عبودي أبو جودة، إنّ هذا التخفيض ساعد على نجاح الدورة. لكن، ورغم اتفاقه مع بقية الناشرين في وصف الدورة بالناجحة، أشار في حديثه إلى "العربي الجديد"، إلى أنّ "القدرة الشرائية للجمهور كانت ضعيفة بشكل عام، لكن الجمهور أصبح يتكيّف أو يبحث عن الكتب التي تتناسب مع ميزانيتهم".

ورفض أبو جودة فكرة أنّ غياب الناشرين غير اللبنانيين كان سبباً في نجاح الدورة، قائلاً: "حتى في الدورات السابقة كان القارئ اللبناني يبحث عن الكتاب اللبناني أو المطبوع في لبنان. أمّا بالنسبة إلى الدُّور غير اللبنانية، فكان القارئ يفضّل كتب المؤسّسات العربية الرسمية مثل 'عالم المعرفة' الكويتية، بسبب ثمنها المنخفض".

إذن، ورغم أنّ هذه الدورة افتقدت للكتاب غير المحلّي، فإنّ الدُّور اللبنانية الكبيرة، بإصداراتها الجديدة والمتنوّعة على صعيدَي الكتاب المؤلَّف والمُترجم، استطاعت سدّ هذا النقص، والعودة إلى القرّاء وإعادة لبنان إلى خارطة معارض الكتاب العربية، على الرغم من محدودية الدورة وتداعيات الأزمات المتعاقبة على لبنان.

المساهمون