في كلّ حديث عن التشاؤم ضمن سياق فكريّ وأدبيّ، يفرض الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (1788 ــ 1860) اسمَه كمرجع أساسي، ووحيد أحياناً، للمقولات عن عبثيّة العالَم، وعن أوهام التجربة المعيشة: فالحُبّ، على سبيل المثال، ليس إلّا حكايةً وهمية نقصّها على أنفسنا لنحتمل صعوبة الوجود. وعلى هذا المنوال يقرأ صاحب "العالَم إرادةً وتمثّلاً" العديد من المظاهر الفكرية والعاطفية.
في تاريخ الأفكار، شكّل شوبنهاور ما يشبه الشاشة العملاقة التي غطّت على كثيرين من المؤلّفين الذين قدّموا أطروحات اتّسمت بالتشاؤم، وإنْ كان بعضُهم، مثل تلميذه، فريديريش نيتشه، قد استطاعوا الخروج من هذه العباءة بفضل فلسفةٍ لا تقلّ أصالةً عن فلسفته.
عن منشورات "ديز أنستان" في باريس، صدر حديثاً "بورتريهات متشائمِين: من شكسبير إلى شوبنهاور"، لـ بول شالمل لاكور (1827 ــ 1896)، وهو عبارة عن خمس دراسات سيَرية مقتطفة من كتاب أوسع لـ لاكور نُشر عام 1901، بعد وفاته، بعنوان "دراساتُ وأفكار شخص متشائم".
إلى جانب المفكّر الألماني والشاعر والكاتب الإنكليزيّ، يضمّ العمل نصوصاً عن كلّ من الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال (1623 ــ 1662)، والشاعرَيْن الإنكليزيين لورد بايرون (1788 ــ 1824) وبيرسي بيش شيلي (1792 ــ 1822)، والشاعر الإيطالي جياكومو ليوباردي (1798 ــ 1837).
لا يكتفي لاكور بتقديم بورتريهات سيَرية وفكرية لهؤلاء الشعراء والمفكّرين، بل يشارك مع القارئ موقفه من مقولات كلّ واحد منهم، مقترحاً ما يشبه "فلسفةً" خاصّة به حول التشاؤم، الذي يعتبره مرضاً أو علّةً تفصل بين المتشائم والناس "الأصحّاء"، الذين يؤمنون بالأفكار الشائعة، وبأن الحقيقة في متناول يدهم، في حين أنّ "عدم التفكير مثل كلّ الناس"، والشكّ بالمقولات السائدة، هو جوهر مرض التشاؤم.