بابلو نيرودا في زمن آخر: الشاعر بين حياته وكتاباته

21 يوليو 2024
من احتفال في سانتياغو بفوز نيرودا بـ"جائزة نوبل للآداب" عام 1971 (Getty)
+ الخط -

كيف يُقرأ بابلو نيرودا في القرن الحالي؟ وما مدى تأثير إرثه الأدبي في تشيلي أوّلاً وفي الأدب العالَمي ثانياً؟ وإلى أيّة درجة يَستحضر الجيلُ الشاب في أميركا اللاتينية أعماله الشعرية؟ هذه بعض الأسئلة التي طرحها ملحق "Culto" الأدبي في جريدة "لا تيرسيرا" التشيلية، من خلال ملفّ خصّصه لصاحب "كتاب التساؤلات" (1974) في ذكرى رحيله المئة والعشرين الموافقة للثاني عشر من تمّوز/يوليو الجاري.

شاركت في الملفّ، الذي حمل عنوان "من كاتب كلاسيكي إلى تراجُع شخصيّته: كيف نقرأ بابلو نيرودا اليوم؟" مجموعة من الكتّاب والصحافيّين والمختصّين بأعمال بابلو نيرودا (1904 - 1973) الذي كان ثاني شاعر تشيلي يفوز بجائزة نوبل للآداب عام 1971، بعد مواطنته الشاعرة غابرييلا ميسترال (1889 - 1957) التي حازت الجائزة عام 1945.

تنوّعت قراءات المشاركين في الملفّ، استناداً إلى حضور نصوص نيرودا وتأثيرها في القرن الحالي، إضافة إلى مجموعة من العوامل الاجتماعية والسياسية والشخصية المتعلّقة بحياته والظروف التاريخية التي عاشها، وإلى أي مدى يمكن فصل منجزه الإبداعي عن حياته وسلوكياته.

مُجّد لأسباب سياسية تتمثّل في دعمه الأيديولوجية الاشتراكية

البداية كانت مع الكاتب والصحافي داريو أوسيس، الذي يصف نيرودا بأنّه شاعرٌ استثنائي"، لكنّه، مع ذلك، يرى أنّ أعماله غير معروفة على الإطلاق: "ربّما يعرف الجيل الجديد جزءاً بسيطاً منها؛ حيث يختصرون عمله الضخم في كتاب واحد هو "عشرون قصيدة حُبّ وأغنية يائسة" (1924). وبناءً عليه يقولون إنَّه شاعر حُبٍّ بامتياز، ولذلك لا يقرأون أعماله الأُخرى، لا سيّما في ظلّ تراجُع الشعر عموماً في العالم". ويخلص أوسيس إلى القول بأنّ نيرودا "شاعرٌ موسوعي قال العالَمَ كلَّه في شعره".

ويوافق المؤرّخُ الإسباني ماريو آماروس، صاحبُ كتاب "سيرة حياة نيرودا"، زميلَه بخصوص تراجُع قراءة الشعر حول العالم، غير أنّه يُصرّ على أنّ "نيرودا شاعر كلاسيكي، ولا يمكن فهم القرن الحادي والعشرين شعرياً من دونه".

أمّا الكاتبة والأكاديمية باتريسيا ثيردا، فتُحاول قراءة نيرودا في إطار العصر الذي عاش فيه. بالنسبة إليها، بدأت أهمّية نيرودا تزداد في القارة اللاتينية مع الحرب الباردة، لأنّه وقف بشكل واضح مع ستالين والاتحاد السوفييتي. وهكذا برز في تشيلي ومُجّد لأسباب سياسية لها علاقة بدعمه الأيديولوجية الاشتراكية. وكان ذلك على حساب غابرييلا ميسترال التي جرى نسيانها لأسباب ذكورية أيضاً.

تضيف ثيردا: "اليوم، بالكاد يَذكر أحدٌ من الجيل الجديد من الكتّاب في تشيلي خصوصاً، وفي القارة اللاتينية عموماً، بابلو نيرودا، وإذا ما ذُكر، فمعظم قرّائه يعودون إلى قصائده الأُولى لا أكثر. أثّر في هذا الأمر بشكل كبير سلوك الشاعر وتصرّفاته. لكن مع ذلك يجب أن نميّز بين أفكار الشاعر ونتاجه الأدبي وبين سلوكيات حياته".

تأخذ الأكاديمية والناشطة النسوية، مونتسرات مارتوريل، خيط هذه الفكرة لتنسج فكرة مخالفة؛ حيث تقول: "ثمّة بعض الأمور التي يمكن تقييمها باستخدام نماذج معيّنة دون غيرها. لكن، بالنسبة إليّ، وعندما يتعلّق الأمر بشخصية أدبية مثل نيرودا، أُركّز على الجانب المتعلّق بشخصيته أكثر من عمله الأدبي وإنجازه بشكل عامّ. النسوية هي طريقتي لفهم العالَم الذي أتحرّك فيه. فكيف أستطيع أن أفهم كاتباً اعترف في مذكراته "أعترف بأنّني قد عشت" أنه اغتصب فتاةً، ثم من هنا كان سؤالي: أية قيمة أدبية أو أخلاقية يمكن أن يحمل عمل شاعر يقوم بفعلة كهذه؟".

تبقى صورة بابلو نيرودا إشكالية، ولا شك أنّها تدهورت في العقود الأخيرة في بلده وفي العالَم، بعد تأكيد حادثة الاغتصاب، ومع ظهور الحركات النسوية والتغيرات الاجتماعية والسياسية. لكن هل يلغي ذلك أنّه شاعر كلاسيكي؟ وإلى أيّ درجة يمكن التمييز بين الكاتب وسلوكياته؟ أسئلة تركها "الملحق الأدبي" من دون إجابة في دعوة للقرّاء إلى اجتراح إجاباتهم الخاصّة.

المساهمون