برجٌ من البشر يرتفعُ عالياً، في حين تتربّع على عرشهِ سمكة قرشٍ كبيرة. أبٌ يُمسك بيد ابنه وسطَ زوبعة صغيرة من الجذور التي تُفسح المجال بين الصخور والأحجار المرصوفة لبرعمٍ أخضر. مركبٌ يُبحر إلى لا قرار، له شكل هيكل عظمي لسمكة كبيرة. رجلٌ يمشي، ولكن خلفه لا يُرى إلّا أثرُ سحابة عملاقة وكثيفة وثقيلة، لونها لا يمكن أن يكون إلّا أسودَ. رجلٌ آخر بلا وجه يحمل مظلّة تحميه من كلّ شيء إلّا المطر. كائنٌ بشري بحجم العملاق، جسمه أكبر بكثير من رأسه، يحملُ آلة موسيقية ويعزف على أوردتها وشرايينها نشيداً واحداً لا غير: نشيد القلب.
هذه هي بعض الموضوعات التي يرسمها الفنان التشكيلي الأرجنتيني بابلو بيرناسكوني (1973) في معرضه الذي يحمل عنوان "الحاجة إلى إنسانٍ متفائل"؛ والذي تُختَتم فعالياته اليوم في "فندق الهيلتون" بالعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس. يقترح بيرناسكوني أعمالاً ذات بُعد مجازي حول الوعي البيئي، كاشفاً عن حجمِ المخاطر التي تُحدق بكوكب الأرض، جرّاء الممارسات البشرية المُضرة بالبيئة، ومنبّهاً إلى ضرورة أخذ الحذر إزاء هذه المشكلات المناخية التي من شأنها أن تقضي على كوكبنا وعلينا نحن البشر. ويفعل الفنان كلّ هذا على نحو غير مباشر حيناً، ومباشر حيناً آخر، حيث يقدّم أفكاراً ومقترحات من شأنها أن تُساهم في إثارة الوعي للحدّ من بعض الممارسات البيئية الخاطئة.
أردتُ أن أوجه رسالة مفادها أن الفن قادر على نشر الوعي وزيادته
يستخدم بابلو بيرناسكوني في أعماله عناصرَ من عوالم مختلفة. هكذا تتحاور المواد والكتل والأشكال والألوان وتختلط. هنا ملصقٌ من جريدة، مثلاً، وهناك ورقة عُثر عليها وجرى استخدامها ثم رميُها. وفي لوحة نراه يستخدم الأكريليك، وفي أخرى تُجمَع الصور وقصاصات الصحف، والأشياء اليومية، وكل ما استخدمناه وصار غير مفيد. والنتيجة هي لوحة جميلة تارة، وعنيفة ومؤثّرة تارة أخرى، لكنّها في كلتا الحالتين توظّف المجاز والاستعارة من أجل هدف واحد: زيادة الوعي بضرورة الحدّ من التغيرات المناخية.
"تُشير التقديرات الأولية إلى أن عدد الوفيات سوف يرتفع بين عامي 2030 و2050، وذلك بسبب حالات مرتبطة بالبيئة، والطقس، والمناخ، ناهيك عن سوء التغذية والإجهاد الحراري. في نهاية المطاف، يؤثّر المناخ في الجميع. إضافة إلى الرؤية الفنية التي أحاول أن أقدمها في هذا المعرض، أردتُ أن أوجه رسالة فنّية مفادها أن الفن قادر على نشر الوعي وزيادته على مستوى العالم"، يُعلق الفنّان الأرجنتيني على هامش معرضه الذي افتُتح في مارس / آذار الماضي.
يُذكَر أن بابلو بيرناسكوني مصمّم غرافيك، إضافة إلى كونه رسّاماً ومؤلّفاً. له أكثر من ثلاثين كتاباً للأطفال واليافعين، تُرجم بعضها إلى أكثر من خمس عشرة لغة. شارك في معارض جماعية في العديد من بلدان العالم، وقُدِّمَت أعماله في معارض فردية في نيويورك ولندن، والعديد من عواصم القارّة اللاتينية.