"الوضع البشري المعاصر" لإيريك فروم: أين نحن اليوم

19 ديسمبر 2020
إيريك فروم، تصوير: رين بوري
+ الخط -

مرت أربعون عامًا على رحيل المفكر وعالم النفس الاجتماعي الألماني إيريك فروم (1900-1980). ومع ذلك، تستمر أفكاره وإرثه اليوم في الحضور وربما في هذه الفترة العصيبة بالذات مع وباء كورونا، حيث تبدو فكرته الشهيرة من أن الإنسانية بحاجة إلى التغيير راهنة للغاية. 

يرى فروم أنه ومع نهاية عالم القرون الوسطى، بدا أن الغرب يتجه نحو الإنجاز النهائي لأكثر أحلامه قوة، فقد حرر نفسه من سلطة الكنيسة الشمولية، وثقل الفكر التقليدي، والقيود الجغرافية للكرة الأرضية نصف المكتشفة. لقد بنى علمًا جديدًا أدى في النهاية إلى إطلاق قوى إنتاجية لم يسمع بها من قبل.

 كما خلق أنظمة سياسية بدا أنها تضمن التطور الحر والمنتج للفرد؛ واختصر وقت العمل إلى درجة أن الرجل الغربي كذلك بات حراً في التمتع بساعات الفراغ التي لم يكن يحلم به أجداده. ومع ذلك، أين نحن اليوم؟ سؤال طرحه فروم في كتابه "الوضع البشري المعاصر"، الذي صدرت ترجمته حديثاً عن دار "الحوار" أنجزها المترجمان يوسف نبيل ونبيل باسليوس. 

غلاف الكتاب

يفكر فروم في الإجابة على سؤاله، فيقول إن خطر اشتعال حرب مدمرة للبشرية خطر لا يمكن بحال من الأحوال أن تتغلب عليه أو تتجنبه المحاولات المترددة للحكومات. ولكن حتى إذا تمتع الممثلون السياسيون ببقية من عقل لتجنب الحرب فإن ظروف الإنسان أبعد ما تكون عن تحقيق الأماني التي راودته في القرون: السادس والسابع والثامن عشر فقد تم تشكيل شخصية الإنسان وفقًا لمتطلبات العالم الذي بناه بيديه. 

في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أظهر الطابع الاجتماعي للطبقة الوسطى سمات استغلالية قوية. وجرى تعريف هذه السمات، بحسب فروم بواسطة الرغبة في استغلال الآخرين وادخار أرباحهم لتحقيق المزيد من الأرباح منهم. 

في القرن العشرين، أظهرت شخصية الإنسان سلبية كبيرة وتماهيًا مع قيم السوق. يقول فروم: "من المؤكد أن الإنسان المعاصر سلبي في معظم أوقات فراغه. إنه المستهلك الأبدي. يتناول الشراب والطعام والسجائر والمحاضرات والكتب والأفلام؛ يتم استهلاكها جميعًا ، وابتلاعها. العالم هو أحد الأشياء الرائعة لشهيته: زجاجة كبيرة، تفاحة كبيرة، أصبح الإنسان الطفل الرضيع، والمتحفز إلى الأبد، وخائب الأمل إلى الأبد". 

أي نوع من البشر يحتاجه مجتمعنا ليعمل بسلاسة؟ سؤال آخر يطرحه فروم في الكتاب، ويرى أن المجتمع المعاصر يعمل بوجود بشر يتعاونون بسهولة في مجموعات كبيرة، ويريدون أن يستهلكوا أكثر وأكثر، وأذواقهم موحدة ويمكن بسهولة توقعهم والتأثير بهم.

تحتاج البشرية، بحسب فروم، إلى جرعات أكبر من التواضع والحب، وفي مجتمع ضحل مثل مجتمع الإنسان المعاصر، فإن الأنانية هي العدو الذي يجب التغلب عليه، ويرى بوجوب أن تكون البشرية قادرة على العمل على الحرية الحقيقية، حيث يتوقف الناس عن مقارنة أنفسهم اعتمادًا على ممتلكاتهم المادية ويبدأون في تقدير من هم.

كتب
التحديثات الحية
المساهمون