المَحْرِس التونسية: مدينة الفنون ليست مكبّاً للنفايات

10 نوفمبر 2021
(نُصب من شاطئ مدينة المَحْرِس التونسية، 2008)
+ الخط -

المَحْرِس مدينة شاطئية صغيرة تقع بالقرب من مدينة صفاقس (300 كيلومتر جنوب تونس العاصمة). يكاد لا يحضر اسمها - على مستوى وطني على الأقل - إلّا في صيف كل عام؛ حيث تحتضن "مهرجان المَحْرِس الدولي للفنون التشكيلية" الذي تجاوز الثلاثين دورة، وبات يستقطب فنّانين من العاصمة ومن بلدان أجنبية، وهو أمر نادر بالنسبة إلى تظاهرة ثقافية تقع خارج المدن الكبرى في تونس.

هذه الأيام، يعود اسم المَحْرِس للتداول في تونس، لكن بعيداً كل البعد عن صورتها كمدينة حاضنة للفن، بل بسبب احتجاجات ساكنتها على قرار بلديّ يقضي بإنشاء مكب لنفايات مدن محافظة صفاقس في مدينة المَحْرِس بالذات، وهو قرار أثار حفيظة المواطنين، ليس في المَحْرِس وحدها، بل في مختلف المدن التونسية؛ فالمدينة تحمل رمزية خاصة بسبب ارتباطها بالفنون والفنّانين، حتى أنّ الأمر بدا للبعض وكأنه مقصود؛ حيث جرى اختيار مدينة تمثّل نموذجاً (لعلّه الوحيد في محيطها) للعناية بالجمالية كي تتحمّل وزر أوساخ كلّ ما حولها.

منذ بداية الشهر الجاري، بدأ المواطنون في المَحْرِس بالاحتجاج على هذا القرار عبر تنظيم المسيرات ومحاولة الضغط عن طريق الشكاوى الإدارية ووسائل الإعلام. كما يُحسب للمدينة تنشّط مجتمعها المدني، من جمعيات ومبادرات شبابية، في الدفع نحو إلغاء القرار، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا المجتمع المدني هو المحرّك الذي فرض استمرارية "مهرجان المَحْرِس الدولي للفنون التشكيلية"، وأنّ هذا المهرجان كان هو الآخر ضمانة لتواصل فاعلية المجتمع المدني في المدينة التونسية.

توفّر المدينة لنفسها أدوات مقاومة بفضل علاقتها الوطيدة بالفن

وصول صوت أبناء مدينة المَحْرِس إلى مستوى وطني شامل، يؤكّد قدرات الفعل المواطني على إمكانية كسب معارك ضد قرارات بيروقراطية، من المؤكّد أنها تُتّخذ في أماكن عديدة أخرى من تونس دون أن تجد من يتصدّى لها بسبب عدم وجود هذه الهيكلة الأهلية التي تتوفّر في مدينة المَحْرِس. ومن الواضح أن عنصر ارتكاز خطاب الاحتجاج اليوم هو مثابرة مدينة المَحْرِس منذ عقود كي تكون نموذجاً لمدينة تراعي القيم الجمالية والبيئية ضمن محيط من التلوّث البصري والإيكولوجي. ومن المعروف أن منطقة صفاقس، ومجمل الجنوب الشرقي التونسي، من أعلى المناطق تلوّثاً بسبب كونها مركزَ الثقل الصناعي للبلاد، وهو ما تَسبّب في إهدار ثرواتها الطبيعية (زراعة، شواطئ، شبكة مائية...)، إضافة إلى تعدّد الأمراض الناتجة عن التلوّث البيئي.

بعد نهاية هذا الفصل الجديد من الصراع بين المجتمع والقرارات البيروقراطية، سيكون من الضروري التفكير بشكل أوسع في قضايا مثل تصريف النفايات وإنشاء المؤسسات الصناعية، فإذا كانت مدينة المَحْرِس تستطيع أن تحتمي بتاريخها وعلاقتها الوطيدة بالفن ومجتمعها المدني، فإن مدناً أخرى - وهي كثيرة في تونس - لا تملك من ذلك شيئاً، وبالتالي يمكن بسهولة تحويل المشكل الذي نجحت المَحْرِس في مقاومته إلى أماكن أُخرى، وهكذا ستجد الجريمة البيئية في كل مرّة ضحايا لها.

المساهمون