حقول كثيرة في تونس - وفي العالم العربي بشكل عام - ظلّت مفلتة من المؤرّخين، وبالتالي بقيت بعيدة عن الفهم والتمثّل، من ذلك المسرح الذي تشعّبت مساراته ولم تجد إلا القليل من جهود المؤرخين للإمساك بمنطقها ومنعرجاتها.
كان المنصف شرف الدين الذي غادرنا أمس الجمعة أحد القلائل الذين جعلوا من المسرح مادة للكتابة التاريخية، قد قدّم بذلك خدمات جليلة لأهل المسرح لتجذير فهمهم لقطاعهم، كما لمجمل القرّاء.
من أبرز ما وضع شرف الدين في هذا الإطار: "تاريخ المسرح التونسي منذ نشأته إلى نهاية الحرب العالمية الأولى"، و"قرنان من المسرح التونسي"، و"خليفة السطنبولي: حياته وأعماله"، و"من رواد المسرح التونسي".
وُلد الرحل في مدينة سوسة، وانتقل في صباه إلى تونس العاصمة للدراسة بالمدرسة الصادقية ومن ثمّ إلى فرنسا حيث حصل على الإجازة في اللغة والآداب من جامعة السوربون، ليعود إلى تونس ويكون أحد أنشط الفاعلين في نوادي المسرح والسينما وعبر العمل الإذاعي، كما أسّس دار نشر باسم "دار ابن شرف".
وإذا كان شرف الدين قد عُرف أساساً كمؤرخ للمسرح فقد أعمل أدوات المؤرخ في مجالات أخرى أبرزهما كرة القدم وأدب الرحلة. في الحقل الأول وضع كتاب "حكاية كرة القدم في تونس" كما كتب تاريخ فريق "النجم الرياضي الساحلي"، وفي أدب الرحلة اهتم بتوثيق زيارات كتّاب فرنسا البازين خلال القرن التاسع عشر إلى تونس ومما ألّف في هذا الصدد: "ألكسندر دوما في تونس"، و"غي دو موبسان: من تونس إلى القيروان"، و"شاتوبريان أمام أطلال قرطاج".