المحادثة أم الحوار؟

05 مارس 2021
عمر الفيومي/ مصر (جزء من لوحة)
+ الخط -

ينقطع الحوار بيننا في أيّ نقاش أو جدل أو مناظرة حول أيّة مادة حياتية، وسرعان ما يتحوّل الموقف إلى عداوة. ومن النادر جدّاً، في وضعنا الحالي، أن تجد سوريّيَن قادرَيْن على إدارة حوار بينهما (والحوار يتضمّن قدراً مناسباً من القناعة أنّ لدى كلّ طَرَفٍ من الطرفين أو الأطراف كافة، اعتقاداً بأنّ حجَجَهُ ليست هي الحقيقة المطلقة، وأنّ لديه الاستعداد للإقرار بأنّ بعض الحقيقة لدى الآخر، وأنّه مستعدٌّ لتبنّيها).

والنتيجة شبه الحتمية لكلّ حوار ــ هذا إذا ما جلسنا إلى الحوار ــ هي أن يكون مقدّمةً للعَداء، بعد أن يكتشف "المحاوِر" أنّ الطرف الثاني لم يأتِ ليقتنع بأفكاره هو، بل لينقل إليه أفكارَه. متاهةٌ مُظلمة من الرأي والرأي الآخر اللذين يتبادلان عدم احترام تنجم عنه قطيعة كُلّية أو شبه كلّية.

يحدث هذا أحياناً بين أصدقاء أو أصحاب أو حلفاء، وتنتهي الحكاية إلى خصومة، ثم إلى عداوة وكراهية. ولكنّ الأمر لا يتوقّف هنا، بل تنقطع المحادثة العاديّة بين الناس. ليس لدى أحدٍ القوّة الروحيّة والوجدانيّة للبحث عن أساسٍ آخر يمكن من خلاله استمرارُ تبادل تحيّة الصباح أو المساء في ظلّ استمرار الخلاف الفكري.

كلّ حوار يستدعي تدمير المحادثة وينتهي إلى قطيعة شاملة

ومن الصعب أيضاً أن تجد بين السوريّين مَن يستطيع أن يحيّد المحادثة عن نتائج الحوار. فكلّ حوار يستدعي تدمير المحادثة وينتهي إلى قطيعة شاملة. لم أجد بعد في أيّة محادثة مَن يحميها من أضرار الحوار. وحتّى إذا كان الحوار يتضمّن قضايا ساخنة، بل شديدة السخونة، حارقة ومبدئيّة من وجهة نظر كلّ من المتحاورين، فإن السؤال المبدئي هو: لماذا نتحاور إذا كنّا نرفض الاستماع إلى وجهة نظر الآخر؟

والمحادثة هي الحياة العادية المشتركة التي تعتبر الهدف النهائي والشريف لأيّ حوار بين فردين أو بين جماعتين أو اتّجاهين. والطريف أنّ معظم الذين يختلفون في حواراتهم الفكرية والسياسية، يتمنّون ظاهريّاً أنّ تظل المحادثة مستمرّة بينهم وبين خصومهم، لكنّهم، في الحقيقة، والأمر يكاد يصبح شاملاً، يعتبرون أن المحاوِر لم يعد يستأهل "صباح الخير".

ومن الراجح أنْ يكون هذا التقليد، وقد بات تقليداً مع الأسف، سليل العقل القَبَليّ أو العشائريّ أو العائليّ، حيث تعود اليوم معظم المجتمعات الصغيرة والكبيرة إلى تبنّي الهويّات الصغيرة، العصبيّات الفكرية أو السياسيّة أو القَبَلية أو الدينية أو الطائفية، في ظِلّ تحطّم الهويات الوطنية.

الكلّ بات يريد أن يقول ما يريد عن الحياة والمجتمع والمصير، ويرفض أن يقول الآخرُ ما يريد. ولا تقدّم وسائل التواصل الاجتماعي غير التكاذب الاجتماعي. ثمّة مَن يقول إنّها باتت منبراً لحرّيّة الرأي، وهذا صحيح، ولكنّها في الوقت نفسه تقدّم أسوأ النماذج عن رفض حرّيّة الرأي عند الآخرين.

ويكاد هذا الحال يقدّم لنا اليوم تعريفاً جديداً ساخراً للحوار وللمحادثة: في المحادثة تقول "صباح الخير" لجارك، أو لمن تتحدث إليه، وفي الحوار تمتنع عن ذلك. والمحادثة هي أنّك مضطرٌّ لقول ذلك كي يستمع لك مَن تريد محادثته. والحوار هو أن لا تتمنى الخير لأحدٍ آخر سواك.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون