استمع إلى الملخص
- تطرح المسرحية أسئلة حول كيفية التعامل مع الإرث: هل نحافظ عليه أم نتركه؟ وهل يمكن بناء إرث جديد يتناسب مع الزمن الحالي؟ وتقدم ثلاث وجهات نظر مختلفة للتعامل مع الماضي.
- تعالج المسرحية أيضاً العلاقة بين الأبوّة والبنوّة، والذكورة والأنوثة، والتحولات الزمنية، مع رمز القلعة المعلقة كهيكلية موروثة قد تتحول إلى أنقاض.
ما إن يدخل المشاهد إلى خشبة المسرح، حتى يتذكّر متاحف الفن المعاصر: تمثال هندسيٌّ معلّق من السقف يستحضر قلعةً. إنه تركيبٌ يشبه المذبح، المذبح الأخير الذي سيقوم كل مشاهد بتفكيكه وتحويله إلى كومةٍ من الأنقاض. لكن تلك القلعة ليست إلا قلعة امرأة شابّة، تدعى ليندابريديس، وهي ابنة ملك على فراش الموت، يطلب منها ومن شقيقها أن يقتربا أكثر، إذ يريد الحديث إليهما. يقول: "سوف يرث مملكتي..."، لكن الملكَ يموتُ قبل أن ينهي جملته.
يخبر الشقيق ليندابريديس أنه لن يخوض حرباً معها، لذا سيتعيّن عليها أن تجد زوجاً يدافع عنها وريثةً لعرش أبيها. ستخوض الوريثة هذه الرحلة في قلعتها المُعلّقة كي تبحث عن زوجٍ ستجده في نهاية المطاف، ولكن بعد أن تفقد مملكتها.
هذه هي حبكة مسرحية "القلعة" للكاتبة والمخرجة الإسبانية لوثيا كاربايال، والتي تعرض حالياً على "مسرح مدريد" وتتواصل حتى العشرين من الشهر الجاري، وتروي قصة ثلاث نساء، من أزمنة وأمكنة مختلفة، يحاولن إجراء حوار مع الماضي انطلاقاً من اللحظة الراهنة.
تتناول المسرحية، من بين موضوعات عديدة، قضية الإرث، ما كان مادياً منه وما كان غير ماديٍّ؛ ذلك الإرث الذي نتلقاه من آبائنا وأجدادنا، وكذلك التراث الثقافي والاجتماعي والسياسي والأخلاقي الذي نرثه كمجتمع من جيل إلى آخر.
سُبل لبناء سياق مشترك مع الآباء وأُخرى لقتلهم والهرب منهم
ومن أجل معالجة الموضوع، تطرح كاتبة العمل ومخرجته أسئلتها الحرجة: ماذا نفعل بهذا الإرث كلّه؟ وما الذي يدفعنا إلى الحفاظ عليه؟ وهل يمكن أن نكون صريحين أمام التاريخ ونقول: لا نعرف ماذا نفعل بإرثنا؟ وكم ينبغي أن نترك خلفنا كي نمضي قدماً؟ وهل يمكن نسف هذا الإرث وبناء آخر يتناسب مع زمن مختلف؟
الإجابة عن هذه الأسئلة ستكون عن طريق عدم الاكتفاء بقصة واحدة. هكذا ستضطر المخرجة إلى إقحام شخصيتين أُخريين كي تروي كلّ منهما علاقتها مع ميراث أبيها. وهنا سنتعرف على ثلاث وجهات نظر للتعامل مع الماضي، انطلاقاً من الزمن المعاصر. إنها محاولاتٌ مختلفة لبناء سياق مشترك مع الأب، وهي في الوقت نفسه محاولات لقتل هذا الأب أو على الأقل الهرب منه. فبينما تحافظ واحدة على ميراث أبيها، تنسف أُخرى تاريخ العائلة، في حين تقدّم الثالثة نموذجاً عن إمكانية التعامل مع التراث على أساس الحاضر.
لا تتوقف المسرحية عند هذا الحد فحسب، بل تعالج أيضاً موضوع العلاقة بين الأبوّة والبنوّة، بين الذكورة والأنوثة، والتحولات التي طرأت على هذه العلاقة مع تغيُّر الأزمنة وتغيّر المفاهيم.
وعلى الرغم من تعدّد القصص والشخصيات وطريقة معالجة إرث الماضي، تبقى القلعة المعلّقة في السقف القاسم المشترك بين تلك القصص، وكأن المخرجة أرادت من خلالها أن ترمز إلى تلك الهيكلية أو المنظومة التي ورثناها، والتي تُشبه القلعة، والتي يمكن في أية لحظة أن تصير مجرد أنقاض.