"العلاقات العُمانية العثمانية": فصول من المد والجزر

18 يونيو 2024
يُركّز الكتاب على الجانب المرتبط بتأسيس دولة البوسعيد بقيادة الإمام أحمد بن سعيد
+ الخط -
اظهر الملخص
- عُمان والمغرب لم يخضعا للحكم العثماني المباشر، مع الحفاظ على علاقات متغيرة مع إسطنبول، وتميز كل منهما بموقع جغرافي استراتيجي أهّلهما لأن يكونا نقطة اهتمام للقوى الأوروبية.
- تسلط تركية بنت حمد الفارسي الضوء في كتابها "العلاقات العُمانية العثمانية 1774 - 1856" على الفترة التاريخية التي شهدت تأسيس دولة البوسعيد والتحديات المشتركة مع الدولة العثمانية، بما في ذلك التوسع الروسي والصراع مع الدولة السعودية الأولى.
- يتناول الكتاب الأثر الحضاري والتجاري للعلاقات بين عُمان والدولة العثمانية، مشيراً إلى تأثيرات ثقافية مثل الحمامات التركية ونظام الحريم في عُمان، ويؤكد على أهمية الوثائق العثمانية في فهم هذه العلاقات والحاجة إلى مزيد من البحث.

تتشابه عُمان والمغرب في كونهما لم يخضعا لـ الحُكم العثماني المباشر كالبلاد العربية الأُخرى، مع اختلاف العلاقة مع إسطنبول من حين إلى آخر. ويتشابه البلدان، أيضاً، بموقعهما المتطرّف والمهمّ؛ إذ إنّ الأُولى تُطلّ على الخليج وبحر عُمان والمحيط الهندي، بينما يُطلّ الثاني على البحر الأبيض المتوسّط والمحيط الأطلسي، وكلاهما يُطلّان على مضيق مهمّ: هرمز بالنسبة إلى الأُولى وجبل طارق بالنسبة إلى الثاني. ومن ناحية أُخرى، كان العدوّ المشترك بينهما (إسبانيا والبرتغال) معنيّاً بالوصول إلى الهند والسيطرة على الطرق البحرية إليها، وهو ما جعل الدولة العثمانية تنشغل أيضاً بمجابهة السفن الإسبانية والبرتغالية التي كانت قد احتلّت بعض أطراف المغرب وعُمان.

وعلى الرغم من خصوصية هذه العلاقة بين المغرب وعُمان والدولة العثمانية، نجد أنّ علاقة الأخيرة مع المغرب حظيت باهتمام بحثي أكبر ممّا هو الأمر بالنسبة إلى العلاقات العُمانية العثمانية، ومن ذلك تنظيم "مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية" ندوةً دولية في مدينة الرباط عام 2009 عن "المغارب وساحل شمال أفريقيا خلال الحُكم العثماني"، ونشَرَ في 2020 مجموعة مهمّة من الوثائق العثمانية التي تتناول العلاقات بين الدولة العثمانية والمغرب في الجزء العاشر "البلاد العربية في الوثائق العثمانية: مسلمو الأندلس وحكومة فاس في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي" من إعداد المؤرّخ فاضل بيات.

ومن هنا، يبدو أنّ الكتاب الذي صدر مؤخّراً عن "دار الآن ناشرون وموزعون" بعنوان "العلاقات العُمانية العثمانية 1774 - 1856" للباحثة العُمانية تركية بنت حمد الفارسي يغطّي جانباً مهمّاً من هذه العلاقات، ويفتح الباب لمزيد من الأبحاث في هذا المجال.

تعزّزت العلاقة بينهما بحُكم المصالح الخارجية المشتركة

ومن الواضح من العنوان أنّ الكتاب (2024) يُغطّي جانباً من تاريخ العلاقات بين عُمان والدولة العثمانية بين سنتَي 1774 و1858، وبالتحديد ذلك الجانب المرتبط بتأسيس دولة البوسعيد بقيادة الإمام أحمد بن سعيد، والذي اتسم بالمدّ والجزر وتعرُّض الدولتين إلى مخاطر عديدة؛ فقد واجهت الدولة العثمانية آنذاك التوسّع الروسي وخسرت الحرب مع روسيا القيصرية، والتي تمخّضت عن توقيع السلطان عبد الحميد الأوّل (1774 - 1789)، على معاهدة كوجوك قينارجة عام 1774، التي تنازلت فيها الدولة العثمانية لأوّل مرّة عن أراض لها يسكنها مسلمون (خانية القرم). ومن ناحية أُخرى، فقد تزامن تأسيس دولة البوسعيد على يد أحمد بن سعيد (1749 - 1783)، وتوسّعها في عمان مع بروز الدولة السعودية الأُولى (1744 - 1818)، ما جعل المواجهة بينهما على الحدود مستمرّةً، وعززّ أكثر العلاقة مع الدولة العثمانية التي دخلت في مواجهة حاسمة مع الدولة السعودية.

وتُنبّه المؤلّفة إلى أنّ مفهوم "العلاقات العُمانية العثمانية" يغطّي جانبَين: يتمثّل الأوّل في العلاقة المباشرة مع إسطنبول والسلطان، والتي تُثبتها مراسلات متبادلة بين السلطان عبد الحميد الأوّل والإمام سعيد بن سلطان، وهو موضوع سنعود إليه. أمّا الثاني، فيتمثّل في العلاقة مع الولاة العثمانيّين في الجوار؛ أي ولاة البصرة وبغداد ومصر. وفي هذا الإطار، خصّصت المؤلّفة الفصل الثاني للعلاقات مع ولاية البصرة، بينما تناولت في الفصل الثالث العلاقة مع ولاية مصر.


التحالف مع محمّد علي باشا

في هذا السياق، كانت العلاقة مع الوالي مع محمّد علي باشا هي الأهمّ، بعد أن كلّفه السلطان بالقضاء على الدولة السعودية خلال 1811 - 1819، وهو ما جعل العلاقة بين محمّد علي ودولة البوسعيد تتعزّز بحُكم المصالح أو الموقف المشترك/ المعادي للدولة السعودية. فقد كانت الأخيرةُ قد توسّعت شرقاً عبر واحة البريمي إلى أن وصلت قوّاتها إلى رأس الحدّ الذي يفصل بحر العرب عن عُمان، ولذلك جاءت حملة إبراهيم باشا على الدرعية لتُخفّف الضغط على دولة البوسعيد وتفتح المجال للمصالح المتبادلة مع سلطة محمد علي، ومن ذلك استئجار محمد علي عشرين سفينة من مسقط عام 1811 وردّ الإمام سعيد بأنّه "مستعدّ لأي مساعدة تستطيع مسقط تقديمها، وذلك من أجل هدف واحد تشترك فيه عُمان والدولة العثمانية: هزيمة القوّات السعودية" (ص 113). ولذلك لم يكن من المستغرب أن يوجّه الإمام سعيد رسالة تهنئة إلى محمد علي باشا، وأن يردّ عليه محمد علي بالهدايا حين قام الإمام سعيد بالحج عام 1824.

وتَعتبر المؤلّفة أنّ هناك أوجه شبه بين الرجُلَين؛ باعتبارهما "شخصيّتين متشابهتين من حيث القوّة والطموح"؛ فقد مدّ الإمام سيطرته نحو الخليج وحاول السيطرة على البحرين ونجح في التمدّد إلى شرق أفريقيا، حيث أسّس "إمبراطورية عربية" هناك، بينما وسّع محمد علي باشا سيطرته لتشمل السودان والحجاز وبلاد الشام. ومع ذلك كانت هناك محطّات توتّر بين الطرفين، كما عندما استولت قوّات محمد علي باشا على واحة البريمي، ولكن - كما تقول المؤلّفة - كانت الدبلوماسية واضحة: كلُّ طرف كان بحاجة إلى الطرف الآخر (ص 118).

ظهرت المؤثّرات العثمانية في عُمان نتيجةً للعلاقات التجارية

في الفصل الرابع، تناولت المؤلّفة العلاقات التجارية والحضارية بين الدولتين، وبالتحديد بعض ما اعتبرته من مظاهر التأثير الحضاري العثماني في عُمان. فموقع عُمان، بموانئها التي كانت تطلّ على بحر العرب وبحر عُمان والخليج، جعل الحركة التجارية تنشط من البصرة إلى جدّة، ومنها عبر البحر الأحمر إلى البحر المتوسّط . و"نتيجةً للعلاقات التجارية ظهرت المؤثّرات الحضارية العثمانية" في قصور البوسعيد ومنها "الحمّامات التركية" ونظام الحريم والألقاب وغير ذلك.
وبالنسبة إلى "الحريم"، يُقصد هنا تنامي دور النساء كما حدث في البلاط العثماني قبيل الفترة المذكورة، وبالتحديد تنامي دور والدة السلطان وزوجة السلطان في البلاط وفي الحُكم، حتى أمكن الحديث عن "دولة النساء" في القرنين السابع عشر والثامن عشر.

وترى المؤلّفة مثل ذلك في زوجة الإمام سعيد عزّة بنت سيف "صاحبة النفوذ المطلق داخل قصور السلطان"، والزواج "من بنات وأميرات المناطق المجاورة لتدعيم علاقاتهم وتعزيزها"، وكذلك الزواج من الجواري الأجنبيات (الشركسيات والجورجيات والحبشيات) والصراع بينهن على ولاية العهد كما حدث خلال حُكم الإمام سعيد، حيث كانت ولاية العهد لابنه هلال ثم أُعطيت للابن الأصغر خالد "بسبب حظوة ونفوذ والدته" الجورجية (ص 158).


الوثائق العثمانية ومكانتها

ذكرت المؤلّفة في المقدّمة أهمية العلاقات المباشرة بين حُكّام الدولتين، ومن ذلك "رسائل متبادلة بين عبد الحميد الأوّل وأحمد بن سعيد"، وبالتالي أهمية الوثائق العثمانية لكتاب من هذا النوع. ولكن في مسرد الوثائق لم نجد أيّة صورة من هذه الرسائل المتبادلة الأصلية المتبادلة، سواء بالعربية أو العثمانية، وهي مهمّة لأنها تعكس مستوى العلاقة بين الطرفين كما تعكسها الرسائل المتبادلة بين السلاطين العثمانيّين وسلاطين المغرب التي نشرها فاضل بيات في كتابه المذكور.

ومن ناحية أُخرى، يبدو أنّ الكتاب دُفع للنشر بعد إصدار "هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية" في عُمان خلال 2023 ثلاثة مجلّدات من "عُمان في الوثائق العثمانية" التي تغطّي العلاقات بين الدولتين خلال 370 سنة. ومن المأمول في طبعة أُخرى للكتاب أن تكون مثل هذه الوثائق موجودة حتى تتّضح الصورة أكثر حول العلاقة بين الدولتين.


* كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري

المساهمون