العَجائزُ، على قِلّة بَأسِهم، لا يتورَّعون
في صُنع عجائبَ، تُسرِّع الدَّم
الذي يجولُ ببُطء شَديد في شرايينهم.
الوحدةُ التي تثقِلُ كواهِلَهم بِأرديتها القديمة، الباردة والمُهلهَلة.
الوحدةُ التي تسبقُ أقدامَهم المُتعثِّرةَ إلى عتبة الباب.
الوحدةُ التي تسبق أيديَهم الراجفةَ إلى قِدر الطعام.
الوحدةُ التي تسبق أعينَهم الكليلة إلى صندوق المُتلاشيات
المركونِ بِزاوية البيت، لِأكثر من نصف قرن.
الوحدةُ التي تسبقُ تنفُّسَّهم البَطيءَ إلى العبير الجافِّ
العالِق بثياب أموات العائلة وأحيائها، الذين تناثروا بين التلال والمدن.
الوحدةُ التي تسبق دمعتَهم الناشفةَ إلى رُفوف الذاكرة وألبومات الصور.
الوَحدة الغولُ، "ذاتُ الجلودِ السَّبعة"،
التي لها أيضاً أكثر مِن ألف اسم وألف وجه.
هذه الوحدة هي التي دَفعتْ، ذلك اليوم، أبي النجّار إلى التقاط
جِذع صنوبرة مُهمَلة بالساحة
وصُنعي أنا الدمية الخشب،
فجئتُ إلى العالم ضئيلَ الجسم، طويلَ الأنف،
قليلَ الحظّ،
أرفُل في حُجرَة والدي جيبيتو الفقير،
بيدَ أنَّني تفوّقتُ على كلّ أطفال الحارة
بقُدرتي على اللعب والنَّشل
والقفز السَّريع فوق الأقدار،
حتَّى إنَّني نجوْتُ يَوماً من المشنقة
ومن النار التي التَهمتْ قدمَيّ.
أنا صغيرٌ، جئتُ لِأُلهم حياةَ جيبيتو العَجوز
رغم بعض الجُنون الذي يبدر منِّي
وبَعضِ الشقاوة أو سُوء الطوية
أنا ابن النجّار
سعيدٌ بأنَّ لي أختاً عظيمة
هي الفُلك التي مَشتْ يوماً فوق الطوفان،
ولي أخ نبيلٌ
هو الحصانُ الذي نَزلَ، ذات ليلةٍ، من بطنِه جنودٌ
أضرموا النار في المدينة.
حَزنتُ كثيراً لِمصيرِ الطرواديّين
حَزنت لِغرق السُّفن ومَوت الجنود،
لكنَّني أعرفُ أنَّ حظّي مِن القوّة ضئيلٌ
وأنَّ خيالَ الشعراء كبير
وأنا لستُ أكثرَ مِن دُمية خَشب،
أقضي سحابةَ وقتي في التسكُّع
وَأقصى ما أستطيعُ هو أنْ أبعثَ الضّحكة
في قلوب الأطفال
وأُحِسَّ بقلب والدي العَجوز يخفَقُ بقُوة.
* شاعر من المغرب