رغم الجهود التي قدّمها باحثون وكتّاب في الدورة الأولى من "ملتقى السرد الأردني" في عمّان التي انعقدت أمس، للعودة إلى الكتابة الروائية والسردية في الأردن منذ العقد الثاني من القرن الماضي، والوقوف عند أبرز محطّات التحوُّل فيها على مستوى الموضوع والتقنيات، إلّا أن سؤال "الاعتراف" بهذه الكتابات ومدى انتشارها عربياً، بعد الألفية الثالثة، استحوذ على معظم الأوراق المُقدّمة.
المُلتقى الذي نظّمه "مختبر السرديات الأردني"، بالتعاون مع "مؤسّسة عبد الحميد شومان" بعنوان "حضور الرواية الأردنية عربيّاً"، تطرّق إلى ضرورة معاينة واقع هذه الرواية، "إنْ كان على مستوى النقد، أو تناوُلها في البحث والرسائل الجامعية، أو فَوز كُتّابها بالجوائز العربية والعالمية، بالتوازي مع مقروئيّتها خارج حدود الأردن"، في توافُق على هذه المعايير لوَصْف اللحظة الراهنة من قبل المُشارِكين.
توافقٌ بدا أكثر دقّة وموضوعية في الحديث عن النضوج الفنّي للرواية الأردنية متمثّلاً بروايات "أنت منذ اليوم" لتيسير سبول، و"الكابوس" لأمين شنار، و"أوراق عاقر" لسالم النحاس"، و"الضحك" لغالب هلسا، في ستينيات القرن الماضي، بعد محاولات عديدة قدّمها كُتّاب من أمثال تيسير ظبيان، وشكري شعشاعة، وعبد الحليم عباس، وعيسى الناعوري، وحسني فريز.
أشار زياد أبو لبن إلى أنّ الرواية الأردنية نفسها تقدّمت على باقي الأجناس الأدبية، في الوقت الذي تراجعت فيه تلك الأجناس من شعر وقصة ومسرحية وغيرها أمام الرواية، نتيجة اهتمام القارئ والناشر معاً. وفيما يبدو على المستوى الكميّ، فإنّ ما نُشر من روايات بعد عام 2000، يُعادل إنْ لم يزد عمّا نُشر من روايات قبل ذلك التاريخ، مؤكّداً على أنّ الثقافة كانت تشكّل وحدةَ حالٍ في فلسطين والأردن، ولهذا من الصُّعوبة بمكان فصلُ العلاقة بينهما.
سؤال "الاعتراف" بالرواية الأردنية بعد الألفية الثالثة استحوذ على معظم الأوراق المقدّمة
أما محمد سلام جميعان فأوضح أنه يمكن ترسيم حراك الرواية الأردنية في أربعة مناظير هي؛ مرحلة التأسيس، ومرحلة حرب حزيران/ يونيو عام 1967، ورواية الثمانينيات من القرن الماضي، والرواية المعاصرة والحداثية. بينما تحدّث ليث الرواجفة عن موضوعات وعناوين أطروحات الدكتوراه ورسائل الماجستير التي تناولت الرواية الأردنية، وأنها جاءت متنوّعة وشاملة، وذات منهجيّات متعدّدة.
من جهتها، ركّزت مريم جبر فريحات على التنوّع في أسئلة الرواية الأردنية وانشغالاتها كما في تقنياتها، لافتةً إلى أن النقد والدراسات النقدية الأكاديمية لم تسلَم من إغواء أثر الجوائز، سواء أكان ذلك في المقرّرات الدراسية أم في توجيه الطلبة نحو دراسة الأعمال الفائزة في بحوثهم ورسائلهم الجامعية، وخلُصت إلى ضرورة الإقرار بالحاجة إلى نقدٍ علميٍّ موضوعي حقيقي.
وناقش منير عتبة نماذج من الروايات الأردنية موضوعُها الرئيس هو الموت، أو فضاؤها السردي هو التاريخ، لاختبار رؤية الكاتب تُجاه الحياة والحاضر والمستقبل، فيما بيّنت شهلا العجيلي أنه ليس للجائزة موقع في عمليّة الكتابة الأصيلة، لأنها تجعل النصّ يكتب وفقاً لسلطة المعايير غير الفنّية، ويصير دور الجائزة أشبه بدور الرقيب، في الأولى التوخّي وفي الثاني المُداراة أو التجنُّب، وهذا ضدّ حرية الإبداع، فتصير الجائزة هي المتلقّي الافتراضي الذي يكتب له كاتبه، ويكيّف نصّه بحسب معاييره، فيفقد الأسلوب، الذي هو أهمّ ما يميّز الكاتب.
وأشار عماد الضمور إلى مقدرة الرواية الأردنية على الانتقال من المحلّي إلى الإنساني، وهذا من المقاييس الأدبية المهمّة التي يُمكن من خلالها الحُكم على الرواية بالتميُّز والإبداع، فضلاً عمّا تحقّقه هذه الروايات من قدرة على قبول الآخَر ومحاورته تحقيقاً للتجاوز، وتأكيداً على ترسيخ هويّة الأمّة ووجودها الحضاري.
ورأى سعد محمد علي التميمي أنّ الرواية الأردنية حالُها حال الرواية العربية، إذ ارتبطت مسيرة تطوّرها وتحديثها بالتحوّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة، بدءاً بالحرب العالمية الثانية وحروب فلسطين، فضلاً عن حروب العراق، وذلك لأن الرواية هو الجنس الأدبي القادر على استيعاب مثل هذه التحوّلات التي تعصف بالمجتمعات، وتخلف وراءها العديد من المشكلات والآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على الفرد والمجتمع.
إلى جانب الأوراق المشاركة، قدّم كلٌّ من الروائيَّين الأردنيَّين قاسم توفيق وجلال برجس وهزاع البراري شهاداتٍ إبداعية حول تجاربهم السردية.