الرحّالة الخياري المدني: في الطريق من المدينة المنوَّرة إلى تبوك عام 1669

17 سبتمبر 2022
المحمل المصري في وصوله إلى مكّة (Getty)
+ الخط -

تُعدّ رحلة الشيخ إبراهيم الخياري المدني المعنونة بـ"تُحفة الأدباء وسلوة الغرباء"، واحدة من أهم الرحلات العربية في مطلع العصر العثماني، نظراً للتفاصيل النادرة التي نقلها لنا في متن الرحلة، ومن ضمنها وصفُه لطريق الحاجّ، حيث رافق المحمل الشامي عام 1669 في طريق عودته إلى دمشق. والخياري المولود في المدينة المنوَّرة عام 1628 ميلادي من أصول مصرية، وتحديداً من بلدة الخيارية، وهي من نواحي المنصورة بمحافظة الدقهلية الحالية. وهو من مشاهير عصره، ذهب إلى القسطنطينية طمعاً بتعيينه في منصب في الحرم المدني، ولكنه لم يحصل على مبتغاه، فعاد إلى المدينة، ومات مسموماً على ما قيل، لأنه اعترض على بعض مناسك الصلاة في الحرم على المذهب الحنفي. 

هذا المقال مُخصّص للحديث عن الجزء المتعلّق بالحجاز من طريق الحاجّ الشامي، وهو طريق خَطِر للغاية، وكانت السيطرة عليه عنوان قوّة السلطنة العثمانية، حيث رصد لنا في نصّه أوصافاً للمحطّات الواقعة على هذا الطريق لا نجدها في أيّ مصدر آخر.


ثنيات الوداع

يقول الشيخ الخياري إنّ أوّل منزل نزله بعد مفارقة المدينة الشّريفة الجرف. وقد خرج الكثير من صحبه لتوديعه عند الموضع المسمّى ثنيات الوداع، وهي إشارة مهمّة إلى موقع ثنيات الوداع الواردة في السيرة النبوية، في شمال المدينة المنوّرة، وليس في جنوبيِّها من جهة مكّة.  

بات الخياري وصحبُه في ذلك الموضع وأقاموا فيه إلى أن غابت شمس اليوم التالي لينطلقوا في سيرهم ويصلوا إلى "وادٍ أفيح، سهل الموطأ"، أقاموا به ليلتهم إلى طلوع الفجر، ثم يسيرون إلى أن يصلوا إلى وادي القرى ثم محطة هدية التي كانت الإقامة فيها عذبة بسبب هوائها المُنعِش، ويشير إلى أنه صادف فيها قوافل كانت تنقل الميرة، وهي الموادّ التموينية، من دمشق بسبب المجاعة التي أصابت بلد الحرمين في ذلك العام، "فنقلوا إليها الشعير والدقيق، وأُبيعا بثمن يسير. وعُدّ ذلك من لطف الله تعالى بهم ورأفته بمن في ركبهم". 

يتابع الركب سيره عسيراً في مضائق متعدّدة كان يزدحم بها الركاب والحجّاج، إلى أن يصلوا إلى موقع العُلا، حيث يقول: "فإذا هو منزلٌ مذكِّر بآثار طيبة، مثير ما أمكنه الوجد من الغيبة. شاهدنا به النخل الباسقات، والفواكه الطيّبات من العنب والبطّيخ بنوعيه الأخضر والأصفر، والليمون حامضه وحلوه، ووجدنا به عين ماء عذبة حلوة، خالية طيبة، أنستنا بما لها من العذوبة والحلاوة ما قاسيناه من الملوحة في المياه السابقة قبلها، وله موردان يردهما الحجّاج. ونخله محوَّط بالجدران، وأهله غير مأمونين، فلهذا لا يستطيعون دخولها؛ خوفاً من تعدّيهم".

ويضيف: "فلمّا إليها وصلنا، وبها حصلنا، تذكّرت المثل المشهور: سماعك بالمعيدي خيرٌ من أن تراه. وعلى كلٍّ فقد أقمنا يوم دخولها، وبتنا بها ليلة عذبة المساء والصباح، لذّ لنا فيها الاغتباق والاصطباح، أزلنا بها أدران السفر، وتذكّرنا الوطن لِما حصل من الوطر، وفتحنا للمسرّة أبواباً، ومددنا إلى سماء الصفاء أسباباً، وأقمنا بها يومنا الثاني كسالفه في اجتناء أُنسه ولطائفه، والتمتّع بجنى هاتيكَ الثمار، واجتلاء الأنوار، فقد استهلّ هلال صفر، ونحن في ليلة دخولها عازمون حلولها، فتيمّنا برؤياه وتجلّي سناه". 

الصورة
المسجد النبوي في رسم من أواسط القرن التاسع عشر، لفنّان مجهول (Getty)
المسجد النبوي في رسم من أواسط القرن التاسع عشر، لفنّان مجهول (Getty)

آثار مدائن صالح الملعونة

بعد مغادرة العُلا يقول الخياري إنه سار وصحبه "في أعذب وقت على أحسن سمت، نمشي الهوينا، ونصدق في الشوق فلا نقولُ مَيْنا. حتّى مررنا بِوادٍ مُخضر الرُّبى بعذبات النبات يحلو لرائيه به المَقيل والمبات، ثمّ انتهينا إلى بيوت على قارعة الطريق قائمٌ آثارُ بنائها، ناعِبٌ غرابُ البين بأنحائها".

والمقصود في هذا الكلام آثار موقع مدينة الحجر النبطية التي يسمّيها العامة "مدائن صالح"، ورغم أنّ الرَّكب لم يعبر بها عن قريب، فإنه ينقل عن أحد رفاقه ممّن رأَوها عن كثب ما يلي: "أخبرنا مَن وصل إليها ممّن هو في صحبتنا بأنّها مقلوبة الأبواب، علت عتباتُها، وانخفضت أعاليها، والمشاهد على البعد بابان متقنان في الوضع والإحكام، يُخيّل للرائي أنّهما نُحتا في الحَجر لا بوضع الطين والجصّ بين قطع المدر، ويقال لهاتيك الأماكن مدائن صالح، وهي ديار ثمود التي أشار الله إلى ذكرها في كتابه في غير ما آية في 'الأعراف' و'هود'، و'اقتربت السّاعة' وغيرها، وأنّهم أُخذوا بالرَّجفة بعد أن عقر أشقاها، وهو قذار النّاقة التي طلبوا إبرازها من صخرة معيّنة فأبرزت". 

ويبرّر ابتعاد الركب عنها شرعاً: "وقد نصّ أئمّتنا على كراهة استعمال ماء كلِّ محلِّ يُغضب على أهله، وهذا الموطن منها، فيكثر استعمال مياه آباره أن لو كان ماؤها موجوداً، ويُستثنى من الكراهة بئر الناقة المُشار إليها، فكان جفاف ماء ما عداها وبقاء مائها لُطفاً من الله بعبيده؛ لأن لا يقعوا في الكراهة عندنا". 

ويقول: "وقد أقام الحاجّ وأقمنا مُكرهين معه خوفاً على الأنفس والأموال بهذا المنزل بعد وصولنا إليه عند زوال الشمس بقيّة ذلك اليوم، وباتَ ليلته واستمرّ به إلى وقت الزوال، فكُنّا معه كذلك لذلك، وإلّا فالأماكن المغضوب عليها يُسنّ الإسراع حالَ المرور بها؛ كي لا يحلَّ العذاب الذي حلّ بأهلها، ولكون الأمر كما علم لم يحصل من الأنس ما حصل من الأماكن قبل هذا". 

ويتابع الخياري سرد القصص الشعبية حول هذا المكان الأثري فيقول: "سِرنا مسرعين إلى قبيل العصر، فوصلنا إلى محلّ مرتفعٍ يُسمّونه العقبة، ودخلنا منه بين قطعتي جبل مرتفعتين. تقول العامة: أنّ الناقة أُخرجت من أحدهما. ويقال: إنّها اليمنى للمارّ ذاهباً بذلك الطريق، وحال المرور يرفع الناس أصواتهم بلفظ الجلالة وما شاكلها من أسماء الله زعماً منهم أنّ ولداً للناقة المعقورة باقٍ إلى اليوم، وأنّه إذا مرّ بذلك المكان شيء من الجِمال يسمعون صوت ذلك فيهلكون. فهم يرفعون الأصوات بذلك دفعاً لسماع ذلك الصوت". 

الصورة
خريطة لشبه الجزيرة العربية والأناضول (Getty)
خريطة لشبه الجزيرة العربية والأناضول (Getty)

قلعة المعظم

ويشير الخياري إلى عبورهم في وادٍ يكثر فيه نبات البُعيثران البرّي، وهو نبات الشيح المعروف برائحته الزكيّة، إلى أن وصلوا يوم الجمعة السادس من صفَر إلى الوادي المُكرَّم المسمّى بـ "المُعظّم"، وفي وصف هذا المكان يقول: "فإذا هو وادٍ عذب هواه، حلو ماؤه، متّسعة أنحاؤه وجهاته، تعذب لياليه وأيّامه، فكيف لحظاته وساعاته! وقد اشتمل على قلعة عظيمة مُحكمة البناء، مبنيّة بالحجَر المنحوت الأصفر المائل للحُمرة، بحيث يشبه الحجَر الشميسي، وهي أحجار يبني بها أهل مكّة دُورهم سائر بنائها من ذلك الحجر، بحيث لم أر فيها حال دخولي إليها للإحاطة بأوصافها شيئاً غير الحَجر، إلا النورة المصطنعة لإلصاق الأحجار بعضها ببعض، وهي مشتملة على خمس أُوَض (غرف) سفليّة، ومثلها فوقها أو أزيد، وفي كلّ جهة إيوانٌ مُحكَم العقد بالحجارة، وللطبقة الثانية درَجٌ من الحَجر المنحوت - لونَِ الأوّل - يوصل إليه، ودرجة أُخرى توصل إلى علوِّ الطبقة الثانية بحيث أنّ من صعد ذلك رأى الوادي جميعه، ومحطّ الحاج، وأحاط بما هنالك".

ويتابع: "لم يكن لباب القلعة ولا للأُوض المذكورة أبوابٌ للغَلق، وأظنّها كانت فأُزيلت. وعلى الباب حجران مكتوبان في أحدهما: لا إله إلّا الله، وفي الآخر أبيات بالتركيّة يقال إنّها تاريخ البناء، وعلى جانبي الكتفين صورة أسد من نقش الحجارة. وبداخل باب القلعة على يسار الداخل حفر عميق، قيل: إنّهم أرادوا جعله بئراً فلم يظهر فيه ماء فبقي. وتظهر من الخارج صورة قنطرة تُوصل ماءً من خارج القلعة لداخلها من بركة كبيرة خارجها، فكأنّه يصير صهريجاً يجتمع به الماء الذي يحتاجه من كان داخل القلعة أن لو حوصروا وكانوا، فإنّها الآن خاوية على عروشها، لا يونسها إلّا عوادي وحوشها".

وينقل عن بعض رفاقه في الرحلة القول: "إنّه أقام بها بعد عمارتها جماعة من العساكر السلطانيّة سنين عديدة يكتفون بماء السّماء، فلمّا شحّت بعد السّخا، وأعقبهم بعد الريّ الظّما، ترحّلوا عنها واستوطنوا غيرها عوضاً عنها، وبجانب القلعة من خارجها على يسار داخلها بِركة مربّعة متّسعة النّواحي والأطراف"، ويعلّق: "لم ترَ عيني قبلها في الكبر مثلها ربّما يبلغ كلّ من طولها وعرضها مائة ذراع بذراع العمل تخميناً وحدساً لا تحقيقاً وعلماً، وهي مبنيّة بالحجَر من جنس ما بُنيت به القلعة من لونه، وكونه منحوتاً وهي غائصة في الأرض بحيث إذا جاءت الأمطار وسال الوادي امتلأت فانتفع بها الحاجّ إذا أوردوا، والمقيمون بها أن لو وجدوا، وإلى جانبها علمَان مرتفعان نحو سبعة أذرع مربّعان مبنيّان بالحجارة المذكورة بأعلاهما كوّة تشبه المشكاة؛ لكونها غير نافذة، وكأنّهما رفعا كذلك، ليهتدي المارّون بها، لذلك المورد من العطاش للورود، لكون البركة غائرة لتمتلئ من سيل الوادي".


قلعة الأخيضر العامرة

وبعد أن يستفيض في وصف جمال الطبيعة في هذا الموقع المبني في عهد صلاح الدين الأيوبي، والقائم بين تبوك والمدينة المنورة، يُخبرنا أنهم ساروا إلى قلعة الأُخيضر التي يصفها فيقول: "رأينا قلعةً عالية حصينة مربّعة الوضع والأركان، عالية البناء، كأنّها من قصور عبد المدان. مبنيّة بالحجارة المُحكمة الإلصاق والبناء الناعمة المسّ، فكأنّها أعكان حسناء. دخلتها للإحاطة فإذا هي مشتملة على أُوضات متعدّدة في أركانها وغيرها، وبها إيوان مرتفع في مقابل بابها به محراب أعدّه أهل القلعة لصلاتهم وعباداتهم، وهو متّسع الوضع حسنه، وبالقلعة زادهم، وما يحتاجون إليه من قوّتهم في عامهم". 

ويلفت رحّالتنا النظر إلى أن سكّان هذه القلعة "يقال إنّهم عشرون من ينكشرية الشام يردون كلّ عام مع الحاجّ إذ أورد، فيقيمون بها ويتوجّهون مع الحاجّ للحجّ المقيمين فيحجّون. يستمرّ الواردون بها عامهم ذلك إلى أن يرد الحاجّ في العام المُقبل فيحجّ المقيمون ويبقى بها على حكم الأوّلين الواردين، ترد عليهم الأعراب بالغنم والسّمن والحشيش وما يحتاجون إليه فيدّخرونه داخل القلعة وخارجها، فإنّ خارجها أبنية كثيرة على صورة الدكاكين يبيعون بها إذا ورد الحاجّ عليهم الحشيش وبعض الذخائر. وعند باب القلعة بعض أشجار عنب ورمّان لكنّها قليلة تشرب من فيض ماء البرك. ولمّا رأيت بها تلك الخضرة وقلّتها، قلت: صحّ وصفه بالأخيضر، فالتصغير مقصود". 

ويضيف: "إلى جانب البئر من داخل القلعة محلٌّ خاصّ به بيض النعام مُعلّق. زعم بوّاب القلعة أنّ سيدنا الخضر يردُ ذلك المكان وأنّه وضعه به لذلك والله أعلم بصحّته. وبه بِركٌ ثلاث كبيرة وصغيرتان، والثلاث متلاصقة جانب بعضها إلى بعض، كُبرى، وتليها صغيرتان بالحَجر المنحوت الأحمر المُشبه لما تقدّم ذكره في قلعة المعظّم، وماء هذه البِرك من بئرٍ محفورة بداخل القلعة على يمين الداخل غزيرة الماء".

ويعلّق قائلاً: "أخبرني بعض من لَه خبرة بأمرها أنّه يَردُ من الشّام لهذه القلعة أدلية كبار الوضع من جلد البقر، وعشرون حبلاً من القنّب الشّامي، وجملان يجرّان الماء على صورة الساقية من خارج القلعة فيملؤون البِرك بإعانة الجِمال حتى تمتلئ البِرك فيردّها الحاجّ. وماؤها أعذب ماء كما تقدّم". 


التفتيش عن العبيد

وينقل لنا الخياري تفصيلاً مهمّاً يتعلّق بموضعٍ ضيّقٍ مرتفع هو بمثابة نقطة تفتيشٍ على الحُجّاج حيث يقول: "دخلنا بعد ارتفاع النّهار بغازاً (مضيقاً) أضيق من الأوّل بكثير يصعب فيه المسير إلّا على اليسير، تزدحم به الحجّاج أشد ازدحام، وهو أضيق طريق سلكناه بعد مفارقة المدينة، وفيه زيادةُ ارتفاع بحيث يظنّ صاعدُه أنّه بأعلى جبل لا تلاع، يقف بأعاليه أمير الحاجّ، ومعه عساكره لإغاثة الضعيف، وتقف بأعاليه جماعة من أتباع الدولة يوقفون الأحمال المعلومة للتجّار لأخذ الباج منها، ويسمّونه باج البهار، لا يتركون الأمير ولا المأمور بل يوقفون الجميع حالة الورود عن الصّدور، يتعرّضون لمن صحب الأرقّاء معه للبيع والتجارة؛ ليأخذوا منه ما اقتضته عادتهم المحرّمة، وأثبتته نفوسهم الأمّارة، وربّما يتعرّضون لمن معه بعض الرقيق من المسافرين؛ لظنّهم كونهم للبيع صائرين، فإذا عرفوا حقيقة الحال زال عنهم الإشكال".

وبعد هذا الموضع يصلون إلى تبوك التي يسمّيها المنزلَ المبارك لأنّ النبي نزلَ بها في الغزوة المشهورة، وبعد أن ينقل قصّة هذه الغزوة يصف القلعة العامرة البناء، ويقول إنها "محكمة الوضع، شامخة الرّفع، مبنيّة بالحَجر المنحوت بين الصُّفرة والحُمرة، بناء حسن الإلصاق بحيث لا يظهر ما بين الحَجرين لولا الكمال بالنَّورة، وهي مشتملة على دهليز يقابل الباب، فيه دكّة لطيفة وبابها عقد محكم فيه كتابة على قيشاني لفظها: أمر بتعمير وتجديد هذه القلعة المباركة مولانا السّلطان محمّد خان عزّ نصره على يد العبد الضعيف محمّد بن الناشف التذكرجي سنة أربع وستين وألف".

الصورة
جانب من قلعة تبوك، (ويكيبيديا)
جانب من قلعة تبوك، (ويكيبيديا)

قلعة تبوك

ويتابع وصفه لقلعة تبوك: "بعد الدخول أرض مربّعة مفروشة بالحجر، وعلى يمين الداخل إيوان معقود، وفي الأركان أُوضات، ومقابل الباب والإيوان صورة مسجد مفروش بالبُسط، وفيه محراب، وفي وسط الصّحن صورة بئر يقال إنّ ماءها نبع لا من المطر، وبجانبه حوض منقور من الحَجر يُملأ للتوضّي والاستعمال، ويشتمل على أُوضات أيضاً في الدور الثاني، وعلى مسجد غير مسقوف فوق المسجد الأوّل؛ هذا صيفي وذاك شتوي، وبأعلاها مدافعُ كبار يرمي بعضها عند وصول الحاجّ إلى ذلك المنزل، وقد نقل أهل التاريخ أنّ بها مسجداً مأثوراً، ويُقال على ألسنة الواردين أنّ هذا المسجد الذي بداخله القلعة هو محلّ ذلك المأثور، والله أعلم". 

ويلفت النظر إلى وجود بِرْكتين إلى جانب القلعة من الخارج على يمين الداخل إحداهما مربّعة، والأُخرى متطاولة. ويقول إنه بالقرب من البركة بساتين مشتملة على أبنية قديمة ويقابل باب القلعة بناء مربّع، يقال إنّه معدّ للضعفاء والمنقطعين هذا ما يتعلّق بالمكان، وأمّا مَن يقدم إليه مِن الشّام من الملاقين للحجّاج فإنّهم يُقدمون جماعات كثيرين مُضاهين للحجّ بخيام عظام، وعساكر، ومدافع، وسردار. ويقول: "كان في عامنا هذا موسى بيك ابن التركمان حسن المشهور بالشّجاعة. وينقلون من الشّام كلّ موجود بها من الفاكهة، وفي عامنا هذا نقلوا التفّاح وحامض العنب والرمّان لعدم استوائهما. وأمّا غيرهما فلم ينضج فلم ينقل، وأمّا سائر النقليات والمخلّلات والأرزاز والحبوب والملابس بأنواعها والفرش والثياب فأمر كثير، ويقوم بها سوق عظيم لم ترَ العين قبله مثله، والحُبوب والأجبان والدقيق، ويعملون الرقاق الحواري وغيره ممّا يؤكل، والبيض الكثير وما لا يسعنا شرحه". بعد تبوك يصلون إلى موقع يُدعى القاع ثم ينطلقون منه إلى معان، وهو أوّل حدّ الشام.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون