استمع إلى الملخص
- يعبر الشاعر عن اليأس من عودة الوطن والحبيب، ويصف حالة الشعب الذي يصرخ دون معين، متسائلاً عن مدى استمرار هذا الحصاد الدموي والحزن العميق لفقدان البيوت والأمان.
- يصف الشاعر الحياة اليومية التي فقدها الناس، متسائلاً عن قدرتهم على الاستمرار رغم الألم، ويعبر عن دهشته من صمودهم، مؤكداً أن الشعب سيظل ثابتاً على أرضه وسيعود إلى وطنه.
ألا تتعبون من الموتِ
في كلِّ يومٍ جديدْ؟
ألم يتعبِ الموتُ منكم؟
ألا تعرفون التعبْ؟
ألم تتعبوا من ألوفِ الضحايا
يُساقون للموتِ تحتَ ركامِ البيوتِ
وتحتَ حطامِ الحديدْ
وتحت فحيحِ اللهبْ؟
ومن جَمْعِ ما مزّقته الشظايا
من جثامينكم وهي مطروحةٌ فوق وجه الترابْ
وهي متروكةٌ للكلابْ
لتنهشها دون أن تستطيعوا
صدَّ أنيابها وهي مغروسةٌ في الجسدْ
أيها العاشقون لهذا الترابِ وهذا البلدْ
من سيجمعُ أشلاءكم
وهي تشخبُ بالدمِ؟ من سوف يحملُ هذي الجثثْ
إلى القبرِ؟ (أعني الذي لم يزلْ باقياً بعدُ منها)؟
من سيكتب آخرَ فصلٍ بمأساتكم؟
من سيوقفُ هذا العبثْ؟
أيها الراضعون حليب الغضبْ
أيها الدافعون بكل الذي تملكون الثمنْ
أيها الذاهبون إلى ربكم باسمينَ
معَ مَنْ ذهبْ
ألم تسأموا من بياض الكفنْ؟
ألم تيأسوا من رجوع الوطنْ
رجوعَ الحبيبِ لحضن الحبيبْ؟
أيها الصارخون ولا من معينٍ
ولا من نصيرٍ ولا من مُجيبْ
كم شهيدٍ بعرس الشهادةِ سوف يُزفُّ
وكم قطرةٍ من دمٍ لا يجفُّ
على رايةٍ يتناقلها الشهداءُ بمضمار موتٍ
يسابقُ فيه الشهيدُ الشهيدْ!
وكم تحملون إلى ردهاتِ السماءِ البريدْ!
كم سيحصدكم موتكم مثل حبِّ الحصيدْ
ثم يصرخُ: هل من مزيدْ؟
ألا تخلدون قليلاً إلى النومِ
أم أنَّ ما كان يُدعى البيوتْ
أصبحتْ دون سقفٍ
وخرّتْ على الأرضِ جدرانُها
أتراها، إذن، مثلكم هي أيضًا تموتْ
أيضيعُ -كما ضاعتِ الأرضُ-عنوانُها؟
ألا تنهضون من النومِ فجرا
ألا تذهبون إلى البحرِ عصرا
ألستم تعدُّون أمواجه وهي تترى
على شاطئ البحر واحدةً إثر أُخرى؟
ألا ترسلون النظرْ
بعيداً بزرقته وهي تدنو وتنأى
مثل من تشربُ الماءَ والكأسُ ظمأى
مثل من لم تزل تترقّبُ عودةَ فارسها المنتظرْ؟
ألا تسهرون معاً تحتَ ضوءِ القمرْ
أم ترى أنكم لا تنامون إلّا على
وَقْعِ صوتِ الرصاصِ إذا ما انهمرْ
صاخباً وغزيراً كرشقِ المطرْ
ألا ترقصون؟
ألا تدبكون؟
أم ترى أنكم ميتون؟
ألستم، إذن، مثلنا
مثل كلِّ البشرْ؟
تضحكون وتبكون أم أن نبعَ الدموعْ
جفَّ في كلّ هذي العيونْ
العيون التي ليس تظما وليست تجوعْ
سوى للشهادة فوق تراب الوطنْ
التراب الذي كلما ذهبت لتنامَ بأحضانه
زال عنه الحَزنْ
وكطفلٍ صغيرٍ غفا واطمأنْ
ألا تسمعون حفيفَ السنابلْ؟
ألا تفرحون بمحصول زيتونكم
حين يُقبلُ وقتُ الحصادْ
ألا تجمعون الذي يتساقطُ من شجرِ البرتقالْ
من غصون الشجرْ؟
ألا تذهبون معاً للحدائق حيث الطبيعةُ تختالُ ألوانُها؟
ألا تسمعون إذا الفجرُ أقبل شدو البلابلْ
مثلنا حين ننفض عنّا غبارَ المنامْ
أما زلتُمُ تنجبون المقاتلَ بعد المقاتلْ
أما زلتُمُ تسكنون الخيامْ
دون قوتٍ ومن دون ماءْ
أما زال يجري على الأرض نهرٌ
ولكنه من دماءْ؟
لتروى به الأرضُ، تلك التي تعبتْ
وهي تحصي الذي تحفرون بأحشائها من قبورْ
عجباً! كيف لم تُقهروا؟
كيف لم تُكسروا؟
كيف لم تعرفوا ذلة الانحناءْ؟
أيها الثابتون ثبوتَ السماءْ
أيها الراسخون على أرضكم كالجبالْ
أيها الواقعيون حتى حدود الخيالْ
أيها القابضون على جمرةِ المستحيلْ
أيها القانعون من الأرضِ
-تؤكلُ في كلِّ يومٍ من العام أطرافها- بالقليلْ
أيها الشعبُ ما زلتَ تُقتلُ
ما زلتَ ظلماً تُبادْ
أيها العاشقون لكل تراب البلادْ
كلِّ ذرّة رملٍ بأرض البلادْ
أيها الفاتحون الصدورْ
وهي ضامرةٌ للرصاصْ
ليكون المدادْ
دمكم حينما تكتبون الرسائلْ
إلى أرضكم قبل أن تحتويكم
مثل أمٍّ رؤومْ
أيها الطارقون براحاتكم فوق باب القيامةِ حتى تقومْ
ستموتون في أرضكم
لا مناصْ!
ثم منها يكون النشورْ
حين يُبعثُ من في القبورْ
ويحين الخلاصْ
أيها الفائزونْ
كائناً ما يكونْ
فلتصيحوا معاً:
إننا راجعونْ!
إننا هاهنا
أبداً ثابتونْ
إننا مَنْ إلى
ربّهم يذهبونْ
دون أن ننحني
أبداً أو نهونْ
ولتقولوا معاً:
إننا رغم كل سنين التشرد والفقد والابتعادْ
رغم كلّ الذي مرَّ من عمرنا في حدادْ
رغم كل الذي ضاع من كلّ شبرٍ بهذي البلادْ
إنّنا والترابَ على موعدٍ ليس نخلفُهُ:
أن نعودَ وأن يُستعادْ!
* شاعر من السعودية