ضمن "سلسلة ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر حديثاً كتاب "الجماعات الإسلامية المُسلّحة: الخصائص السوسيولوجية والأسباب والنتائج"، وهو من تأليف ستيفن فيرتيغانز، وبإسهامات من دونشا مارون وفيليب ساتن، وترجمة مازن مرسول محمد.
يقدّم الكتاب إطاراً اجتماعياً لفهم صعود الجماعات المسلحة الحديثة وطبيعتها. ويتبع المؤلف فيه مقاربة منهجية للظاهرة، ويحلّل حالات من جميع أنحاء العالم، ويُجري مقارنات للظاهرة بالديانات الأخرى، أسبابها وعواقبها. ويتناول أيضاً بالبحث مفاهيم ونظريات اجتماعية مرتبطة بالانغلاق الاجتماعي والحركات الاجتماعية والقومية والمخاطر والخوف و"نزع الحضارة".
ويناقش العمل هذه المقاربات والمفاهيم ضمن ثلاثة محاور رئيسة: خصائص الجماعات المسلحة، والأسباب متعددة الطبقات وعواقب التشدّد، ولا سيما ردات الفعل الغربية في إطار "الحرب على الإرهاب". إضافة إلى ذلك، فإنه يستكشف العلاقات المتبادلة بين السلوك الديني والسلوك العلماني، "الإرهاب" و"مكافحة الإرهاب" والدعم الشعبي والمعارضة، من خلال فحص أمثلة من الجماعات والمجتمعات المسلمة، بينما يتحدى النزعة الشعبية في تركيزها على تنظيم "القاعدة" والشرق الأوسط.
يتناول الكتاب مفاهيم ونظريات اجتماعية مرتبطة بالانغلاق الاجتماعي والحركات الاجتماعية والقومية
ويرى الكتاب أنه يمكن النظر إلى التطور المعاصر لمختلف المجموعات المسلّحة عموماً، وإلى العنف بشكل خاص، باعتبارها نتيجة طَيفٍ من العمليات الاجتماعية والمؤسسات والنشاطات التي تسترشد بعقائديين ومناضلين تاريخيين. وتشمل هذه العمليات التحديث والعلمنة، والعلاقات البينية مع الأحداث التاريخية، والسياقات المحلية والوطنية والدولية. فالعديد من الإرهابيين ليست لديهم تجارب شخصية مع العوامل التي تُحسَب على نطاق واسع أسباباً للإرهاب "الإسلامي"، أي الفقر المطلق والنسبي أو غسل الأدمغة. وبدلاً من ذلك، يوفر التفاعل بين الأفراد، ووكلاء أو أوصياء التنشئة الاجتماعية، والخطاب الإسلامي المتشدّد، والعلاقات والنشاطات الاجتماعية المحلية والعالمية، طرقاً متنوعة لولوج الأفراد إلى التشدّد والإرهاب.
ووسط هذه الأطر، تساعد عمليات التنشئة الاجتماعية على تحويل الهويات، وتُسهم في توليد التطرف المفضي في نهاية المطاف إلى العنف السياسي. لذلك، لا يوجد مسار واحد يعقب غسل الأدمغة أو الحرمان الاقتصادي. وتُضفى المشروعية على الرسائل المتشدّدة، من خلال الأحداث والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، والثقافية والسياسية المحلية والعالمية، التي يواجهها الأفراد شخصيّاً أو ينقلها إليهم من يتولون تنشئتهم. ويحدث هذا بالنسبة إلى بعض الناس، من خلال معايشة القضايا والتجارب المحلية. وبالمقارنة، بالنسبة إلى العديد من الأمميين، تكتسب مجموعة متنوعة من القضايا المحلية والدولية أهميةً، بما في ذلك انتشار الفساد، والاعتداءات الأميركية على العراق، والنضالات الوطنية في الشيشان وكشمير والأراضي الفلسطينية، بحسب الكتاب
ويشير الكتاب إلى أن هناك عدداً أكبر من المسلمين على استعداد لتبنّي "تصورات عالمية"، تشكِّل أساساً لقوانين استبعادية تتحدى قوانين الدولة القومية والزعماء الدينيين السنّة المنتسبين إليها. فهؤلاء يُسهمون في تعزيز فكرة "الآخر" [الآخروية] بين من ينتمون إلى أديان مختلفة. ويعترض هؤلاء المسلمون المتشددون على احتكار الانغلاق، طبقاً لمعايير الدولة القومية العلمانية. وعلى الرغم من حصول ضعف في صلابة العلمانية، يطالب المتشددون بتبنّي قيم مناقضة جوهريّاً لقيم الدولة العلمانية وبتطبيق طرائق ضبط وتنظيم مختلفة. وقد جرى عكس مسار التطور المتوقَّع للانغلاق من المعيار الاجتماعي إلى الفرداني. وتحولت القواعد من الاعتمادية الفردانية إلى الطائفة الدينية. وبالنسبة إلى أصحاب التوجه العابر للقوميات المنتسبين إلى تنظيم القاعدة، يُستبعَد غير المسلمين والمسلمون الذين لا يتشاركون المعتقدات والالتزامات نفسها، وأحياناً كثيرة يُعزلون أو يُنبذون دينيّاً، تمهيداً لمعاقبتهم بأقصى شكل من الانغلاق، وهو الموت.
وبيّن المؤلّفون أن هناك استراتيجيا وقائية دائمة تقوم على تجنُّب مواجهة هذه الحقيقة المجهولة، لكن القاهرة من التطرف والإرهاب "الإسلامي". ولذلك، فإن تفسير الحكومات والسلطات الغربية لظاهرة الجماعات الإسلامية المسلّحة بواسطة المخاطرة مثيرٌ للاهتمام على وجه التحديد؛ بسبب ما تمثِّله المخاطرة على نطاق أوسع. كما يُظهر أولريش بيك أن التفكير في المخاطرة اليوم يلغي المعرفة، ويفنّد إمكان فهم أو إدراك أعمال أو استراتيجيا الجماعات المتشددة الأجنبية أو المحلية. وبمعنى ما، يكشف التوازي الغريب عن نفسه بين إعادة التسمية الجديدة "الحرب طويلة الأمد" والنهايات المفتوحة لطبيعة المخاطر غير المحدودة كما هي مفهومة اليوم. وتتشبث النخب السياسية بفكرة الحرية مقابل الاستبداد، وتصف هذه الجماعات المتشددة المعارِضة بأنها جماعات شريرة ومنحطة وضالة، وعصية على الفهم. ومن ثم، من خلال نشر مثل هذا الخطاب الأخلاقي، تُعدّ هذه الجماعات جوهريّاً ضمن "الآخر".
ونتيجة لذلك، فإن التكوين الاجتماعي لهذه الجماعات، والإرث التاريخي، والسياسة، والعنصرية والإمبريالية التي تتحابك حول تطورها، تُكبت وتُخفى عن المشهد. وفي الوقت نفسه، بعد أن توسَم هذه الجماعات إلى الأبد بصفة "الآخر"، يصبح خطاب المخاطرة وسيلة مركزية لتأخير المشكلة: فإن كان من غير الممكن تغيير سلوك هذه الجماعات أو تحولها عن نهجها تصبح المخاطرة [الخطر] التي تمثلها قابلة للتقليل أو التجنب فحسب، ويستحيل إخمادها أو القضاء عليها. ويتعمّق الفصل السادس في بعض هذه القضايا عند بحث التفاعلات بين الأعمال الإرهابية، والتهديدات المصاحبة لها، والعمليات السياسية، والثقافية، والاجتماعية والاقتصادية من جهة، والوعي الفردي من جهة أخرى، وفق الكتاب.