"إلى اللوحة أيّها الفضاء" لجعفر طاعون: الرسم بمحاذاة أدونيس

03 يوليو 2023
(من المعرض)
+ الخط -

ليست العلاقة بين الشعر والتشكيل علاقة عابرة، أو ممّا لا يُعنى به، بل يمكن القول إنّها علاقة قديمة وخاصة، تناولها شعراء وفنّانون على اختلاف مشاربهم. ومع توالي التجارب الشعرية والتشكيلية، أصبحت هذه العلاقة أكثر عمقاً وارتباطاً وتداخُلاً، هذا على كثرة ما كُتبت قصائد تعالقت مع الرسم، وعلى كثرة ما رسم فنّانون قصائد تداخلت مع التشكيل.

في معرض "إلى اللوحة أيّها الفضاء"، الذي يستمر في "دار الأندى" بعمّان حتى السابع من تمّوز/ يوليو المقبل، يُقدّم التشكيلي العراقي جعفر طاعون (1963)، أربعةً وعشرين عملاً من الرسم الطباعي، تتداخل مع أربعة وعشرين قصيدة للشاعر السوري أدونيس (1930). وهذه الأعمال هي أساس كتاب يشتغل عليه الفنّان والشاعر، وقد بدأ طاعون أوّلاً بالرسم، ثمّ استلهم أدونيس من رسوماته نصوصاً كتبها على كلّ لوحة بخطّ يده.

الصورة
جعفر طاعون 02 - القسم الثقافي
(من المعرض)

يفتح الشعر، أكثر من غيره، أبواب التأويل والتخييل والولوج إلى عوالم أبعد في ذهنية الفنّان، ما يمنحه الحرية في تشكيل تلك العوالم عبر كائناته وألوانه ورموزه وإيحاءاته المختلفة، فيستلهم من القصائد ما يشاء، مبتكراً الأشكال، ومازجاً الألوان، وخالقاً عوالم خاصّةً به. غير أنّ التداخل الأكبر بين الشعر والتشكيل حدث عندما كُتبت القصائد باليد على اللوحة لتكون جزءاً منها، وهذا ما جعل من اللوحات وحدةً واحدة مع القصيدة، لا يمكن الشعور تجاهها بأنّه غريبٌ عنها؛ فللحرف ووجوده سمةٌ خاصّة، روحية وبصرية، لا يمكن أن تكون اللوحة جامدة معها.

في الأعمال المعروضة، تتّضح هيمنة التشكيل داخل اللوحة على النصوص التي لم يُتح لها حيّزٌ كافٍ للبروز؛ ذلك أنّ مجال اللوحة هو ما يجتذب الناظر إليها، قبل أن يتوزّع بصره إلى جوانبها، حيث تظهر الكلمات المكتوبة بخطّ اليد بطريقة تكاد تكون لها نمطية خاصّة تَظهر في جميع اللوحات على قلّتها، تُمكّن من الإمساك ببعض الكلمات وإفلات البعض، مع عدم إمكانية قراءة النصّ المتداخل في اللوحة بشكل كامل.

اللوحات أساس كتاب يشتغل عليه كلّ من الفنّان والشاعر

ورغم أنّ غاية تشكيل الشعر أو شِعرنة التشكيل ليست قراءة النصّ فقط، بل تقديم مادّة بصرية يأخذ فيها الحرف مكانه، حتى يؤثّر في اللوحة مهما كان ضئيلاً، فإنّ هذه الرغبة تأتي، بطبيعة الحال، من معرفة بما كتبه أدونيس، وما ألهمته أعمال طاعون، كون أنّ الرسم سبق الشعر هذه المرّة، وكُتبت النصوص من أجوائه وأشكاله. وربّما لم يستطع الشاعر أن يكتب على اللوحة بما يؤثّر عليها بالكامل، لأنّه مقيّد بحدودها. لهذا جاءت نصوصه على كل لوحة، بكلمات معدودة.

لم يترك طاعون لوحاته بلا إيحاءات أو رموز، ولم يعتمد فيها على اللون وطريقة التشكيل مع النصّ، بل ظلّ النصّ يحاذي اللوحات من كلّ جهاتها، فيما تتكثّف داخلها عوالم النصّ بإشارات ورموز عديدة، كالغيمة، والوجوه، والأجساد غير المكتملة، وصنبور المياه، والبيت، والنخلة، إضافةً إلى الأجواء المعتمة التي تُصوّر عوالم مبهمة وغائرة وبالكاد تُرى، فهو يحاكي فيها طقوساً مختلفة، روحية وصوفية، تتداخل مع التراث وتقترب من طبيعة المنمنات وتبتعد تجريدياً عنها.

الصورة
جعفر طاعون 03 - القسم الثقافي
(من المعرض)

تبدو اللوحات وكأنّها لوحة واحدة، ولكنّها مجزّأة، فهي مترابطة ومتقاربة من حيث الأشكال والألوان وخطوط كتابة القصائد. ولربما تكون النصوص المكتوبة عليها كذلك، قصيدة واحدة، مجزّأة على اللوحات، وبذلك، عند جمعهما في كتاب، كما هو مقرَّر، ستكتمل لدينا اللوحة والقصيدة.

المساهمون