استمع إلى الملخص
- الخداع الاستعماري، مثل خدعة نابليون في مصر، أثر على التاريخ العربي، حيث استُخدمت الترجمة كأداة للتلاعب وكسب التعاطف، مما يعكس تحديات الاعتراف الثقافي.
- رغم حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، لم يحقق الأدب العربي انتشارًا عالميًا، مما يثير تساؤلات حول الأسباب وراء عدم الاعتراف بالثقافة العربية الحديثة.
لا أثر للتاريخ العربي، أو للتعبير الأدبي الحديث (الروائي خاصّة) في الذاكرة القارئة للثقافات في العالم، والترجمات التي تُعلن هنا وهناك لأي عمل تنفّذه مؤسسات معنيّة بالتبادل الثقافي، لا دور نشر معنيّة بالانتشار الثقافي الذي تنتج عنه قراءة جماهيرية واسعة، وأرباح مالية مشجّعة. فلا وجود لكاتب عربي مُعاصر معروف في العالم على غرار ماركيز الكولومبي، أو سوينكا النيجيري، وثمّة العشرات من الأسماء التي نالت هذه الحظوة، من الصعب إيرادها هنا.
يشعر المرء بالحُزن حين يرى تلك الاستعراضات التي يقدّمها الكتّاب عن أنفسهم، أو حين يسجّلها أحد، أو جهة تعرض للكاتب العربي سجلّاً فخريّاً عن عدد الترجمات التي حازها إلى اللغات الأُخرى. سبق لـ شادن تاج الدين صاحبة كتاب "تبرئة الألفاظ: عن الإمبراطورية وإغراء الترجمة في مصر" (2011) أن وضعت عنواناً للفصل الأوّل من كتابها يقول: "أن يعترف بك الآخر.. إغراءٌ لا يُقاوم".
والعنوان جذّاب، أمّا التفصيل الذي يحمله فهو مؤلم، ومحيّر، تحدّثت فيه عن الخدعة التي افتتح بها نابليون بونابرت استعمار فرنسا لمصر، إذ رضي أن تُزوّر الترجمة العربية للمنشور الذي وُزّعت منه آلاف النُّسخ على المصريّين، يقول فيه إن الفرنساويين مسلمون، خلافاً لما هو مكتوب في النص الفرنسي، وذلك كي يكسب تعاطف، وموافقة، الأعيان المصريّين على دخول جيشه إلى بلادهم، ويمتنعون عن مقاومته، ويرفعون أيديهم عن مساندة المماليك الذين يحكمونهم. ومن المعلوم أن الخداع الاستعماري استطاع أن يمرّ عبر الادّعاء بأنّ الجيش القادم، وأنّ قادته وأغراضه، إنّما هي لخدمة المصريّين الذين يتساوون في كلّ شيء مع المستعمِر.
حتى "نوبل" لم تكفل لأدب محفوظ القراءة عالمياً
اللافت أن المنشور لم يخدع المعنيّين بالأمر، وحسب، بل امتدّ خداعُه، ونفاقه، إلى التاريخ اللّاحق، في عصرنا الحديث، إذ إن ناقداً حصيفاً مثل رئيف خوري سوف يكتب كتاباً يُسمّيه "الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي"، ويقول فيه إنّ أوّل مجاري الثورة الفرنسية إلى الشرق - ولعلّه أعظمها - (كما يكتب، ويضع العبارة بين معترضتين) كان الفتح (كلمة الفتح يستخدمها رئيف خوري نفسه) النابليوني لمصر.
وإذا كان العربي يحتفي بالثورة الأميركية والفرنسية والروسية، كما يحتفي بالروايات التي عبّرت عن جوانب من تلك الثورات في آداب تلك الأمم، فإنّنا قليلاً ما نقرأ عن المستوى نفسه من التلقّي الإيجابي للتاريخ العربي، أو الأدب العربي، لدى القارئ الروسي أو الأميركي أو الفرنسي أو غيرهم، والحقيقة أن الآخَر لا يعترف بنا اعترافاً يعكس الجوهر الذي تتضمّنه ثقافتنا الحاضرة، واهتمام معظم المستشرقين ينصبُّ على التراث وحدَه، بينما يتجاهلون غالباً وجود الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة.
ولا ينفع الردّ بأنّ المشكلة في القيمة الفنّية، فممّا لا شكّ فيه أنّ الآداب الأجنبية قدّمت أعمالاً ذات سويّة فنّية رفيعة، ولا شكّ أيضاً في أنّ لدينا أعمالاً تُضاهيها، وقد مُنحت "جائزة نوبل للأدب" لنجيب محفوظ، وهي الجائزة الأدبية الأكثر أهمّية في العالم، ولكنّها لم تكفل لأدبه أن ينتشر في الثقافة الغربية، أو العالمية، على غرار ما يحدث لغيره من الكتّاب. أين السبب، أو مَن السبب؟ ولماذا؟
* روائي من سورية