إسماعيل كاداريه.. "مرشح نوبل المزمن" غادر بدونها

03 يوليو 2024
إسماعيل كاداريه في شقته القديمة في تيرانا بمناسبة تحوّلها إلى متحف عام 2019 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- إسماعيل كاداريه، الأديب الألباني البارز، توفي في 1 يوليو 2024 عن عمر يناهز 88 عامًا، تاركًا إرثًا أدبيًا ضخمًا ساهم في تعزيز الأدب الألباني عالميًا، رغم الجدل حول علاقته بالنظام الشمولي في ألبانيا.
- كاداريه، الذي بدأ حياته الأدبية كشاعر ثم انتقل إلى الرواية، اشتهر بأعماله التي تجمع بين الجمال والقبح، مستلهمًا تاريخ ألبانيا وتجربتها مع الحكم الشمولي، وتُرجمت أعماله إلى 45 لغة.
- رغم انقطاعه عن الكتابة في سنواته الأخيرة، ظل كاداريه مرشحًا لجوائز أدبية عالمية مثل نوبل وبوكر، مؤكدًا على قوة الكتابة في تحويل الأحلام إلى واقع، وترك بصمة لا تُنسى في الأدب العالمي.

في صباح 1 تموز/ يوليو الجاري وصل إسماعيل كاداريه (1936 - 2024) إلى مستشفى تيرانا متأخّراً إثر نكسة قلبية ليتوفى مبكراً عمّا كان يرغب به بعدما صرّح في 2022 بأنه كان يأمل أن يصل إلى التسعين، تاركاً وراءه إرثاً أدبياً كبيراً نقل معه الأدب الألباني المجهول إلى "العالمية" وسجالاً دائما حول علاقته بـ النظام الشمولي في بلاده، وهو السبب الذي يكمن وراء عدم حصوله على جائزة نوبل التي كان "المرشح المزمن" لها عبر ثلاثين سنة.

ومع أنه انقطع عن الكتابة منذ سنوات إلا أن هذه السنة من بدايتها حملت إشارات محبطة للوصول إلى ترشيح جديد لجائزة نوبل للأدب. ففي بداية هذه السنة، وقبل أيام من الاحتفال بعيد ميلاده، قام رئيس أكاديمية العلوم والفنون في ألبانيا في 12 كانون الثاني/ يناير 2024 بترشيح الروائي الألباني فاتوس كونغولي F.Kongoli (1944) لـ"جائزة نوبل للأدب"، مع أن هذه الأكاديمية كانت ترشّح كاداريه كل سنة للجائزة نفسها حتى 2023. ولكن الإعلان عن دخول كاداريه في القائمة الطويلة لجائزة بوكر العالمية هذه السنة عن روايته المترجمة للإنكليزية "اتصال من دكتاتور" أعطى أملاً في الوصول إلى نوبل 2024 ولكن جاءت القائمة القصيرة دون اسم كاداريه لتحول دون حصوله حتى على جائزة بوكر.

موّل النظام الشمولي نشر ترجماته بشكل مباشر وغير مباشر

وعلى الرغم من أن كاداريه عُرِفَ في البداية شاعراً حتى 1963 وكانت له مساهماته في المسرح أيضاً، إلا أن شهرته في العالم بدأت في 1970 مع صدور روايته الأولى "جنرال الجيش الميت" في اللغة الفرنسية واستمرت مع ترجمات رواياته اللاحقة إلى 45 لغة في العالم، ومن ذلك في اللغة العربية التي تعدّدت فيها ترجمات رواياته فقط من الألبانية والفرنسية والإنكليزية مع تعدّد أسمائه في البداية (إسماعيل كاداره، إسماعيل قدري وإسماعيل كاداريه) إلى أن استقر على ما هو عليه.


حياة حافلة 

ولد إسماعيل كاداريه في 28 كانون الثاني/ يناير 1936 في مدينة جيروكاسترا بجنوب ألبانيا، وهي المدينة التي ولد فيها أنور خوجا، في عائلة بكتاشية لها مغزاها بالنسبة لألبانيا لكون هذه الطائفة تنتسب إلى الإسلام وتتميّز بتحررها من أركانه، مما انعكس هذا لاحقاً على مواقف كاداريه من الإسلام والشرق. ومع أن والده كان ساعياً في محكمة جيروكاسترا إلا أنه من حيث الأم ينتسب إلى عائلة مثقفة. فقد كان جدّه من أُمّه قاضياً في المدينة بعد أن أكمل دراساته في إسطنبول، كما كان والد جدّه من أُمّه الشيخ دوبيHoxhë Dobi شاعرا من شعراء الأدب الألباني الجديد الذي  كان يكتب في الألبانية بالحروف العربية.

نشأ كاداريه في هذه البيئة محبّاً للشعر في يفاعته التي ترافقت مع وصول الحزب الشيوعي للسلطة في ألبانيا في نهاية 1944 بعد حرب أهلية دموية، ونشر أول ديوان كتبه في المدرسة الثانوية بعنوان "استلهامات أولاد" في 1954 الذي تضمن قصيدة عن ستالين. وفي تلك السنة التحق بقسم اللغة والأدب الألباني في جامعة تيرانا وبعدها أُرسل في بعثة دراسية إلى معهد غوركي للأدب في موسكو، حين كانت ألبانيا في شهر عسل مع الاتحاد السوفييتي. ولا شك أن إقامة كاداريه القصيرة في موسكو - لأنه اضطر للعودة في 1960 مع توتر العلاقات مع الاتحاد السوفييتي وانحياز ألبانية تحو الصين الماوية - قد أثرت كثيرا عليه من ناحية تعرّفه إلى الأدب الكلاسيكي الروسي وإلى الأدب الجدانوفي الجديد في الاتحاد السوفييتي.

ومن هنا نلاحظ بعد عودته إلى تيرانا لحظتين فارقتين: نشر أول رواية له ("جنرال الجيش الميت") في 1963 التي ستفتح له الشهرة العالمية روائيا، ونشر آخر ديوان شعري في 1964 ("بم تفكر هذه الجبال") بمعايير الواقعية الاشتراكية للنظام الذي أصبح يمثل خلطة جديدة من الماركسية اللينينية والقومية الألبانية.

كاتب امتلك موهبة الوصف الجميل للأمور القبيحة

وتمثل سنة 1970 سنة فارقة أُخرى على صعيد العلاقة مع النظام الشمولي وعلى صعيد الشهرة في الخارج. ففي تلك السنة صدرت الترجمة الفرنسية لرواية "جنرال الجيش الميت" التي فتحت الطريق إلى العالمية، كما صدرت في السنة ذاتها روايته الجديدة "القلعة" التي اُعتبرت في حينها إنجازاً لصالح النظام الذي يمثل "القلعة" الصامدة للماركسية اللينينية في أوروبا ضد "التحريفية السوفييتية". ومن الطريف هنا أن هذه الرواية ترجمت للعربية من ثلاث لغات (الألبانية والفرنسية والإنكليزية) وبثلاثة عناوين ("الحصن" و"طبول المطر" و"الحصار").

كان النظام الشمولي مرتاحاً في البداية لاختراق كاداريه لألبانيا المعزولة، وهو الذي كان يموّل نشر ترجماته بشكل مباشر وغير مباشر، باعتباره كان حينئذ من نجوم النظام حيث انتخب لثلاث دورات في "مجلس الشعب" (1970-1982)، كما أصبح نائب رئيس "الجبهة الديمقراطية"(الواجهة الشكلية للنظام الحاكم) التي كانت ترأسها نجمية خوجا زوجة الدكتاتور أنور خوجا.

كانت 1980 سنة فارقة أخرى لكاداريه بعدما نشر روايته  "قصر الأحلام" التي تُرجمت إلى العربية ولغات كثيرة في العالم. مع هذه الرواية وغيرها سيبدع كاداريه في هذا المجال الذي يستلهم فيه تاريخ ألبانيا خلال الحكم العثماني، الممقوت في التاريخ الرسمي، ويسقطه بطريقة ذكية على الواقع، وهو بذلك جعل أعماله تحتمل القبول خلال الحكم الشمولي وإعادة التفسير بعد سقوط الحكم الشمولي في 1990.

مع ذلك كانت فترة الثمانينات فترة عصيبة مع بروز مرض الدكتاتور أنور خوجا ووفاته في 1985، الذي كان حامياً لكاداريه من أي تصفية له كما حدث مع الكثيرين قبله، وخاصة مع بروز أخته المثقفة قدرية كاداريه (1935-2022) التي أخذت تنتقد النظام الشمولي بقوّة مما أحرج إسماعيل كاداريه واضطر إلى أن يكتب في نيسان/ إبريل 1980 رسالة خاصة إلى أنور خوجا يتهم فيها أُخته بالجنون تمّ الكشف عنها مؤخراً، وبرّرها عند النشر بالقول أنه كان يريد أن يحمي أُخته من السجن.


إسماعيل كاداريه وبن بلوشي 

يمثل بن بلوشي الجيل التالي لكاداريه الذي أثبت نفسه بقوة (ستصدر له قريباً في العربية روايته "رئيس الوزراء")، ولذلك لم ير ما يشدّه إلى لقاء مع إسماعيل كاداريه بعد أن قرأ كل رواياته. ولكن صديقة مشتركة جمعت بينهما في جلسة على فنجان قهوة في 2022 حيث لاحظ الكثير على تصرفات كاداريه ودوّن ذلك في كتابه "41 سراً" الذي صدر في نهاية 2022، مما أثار حفيظة بسيانا ابنة إسماعيل كاداريه.

ومع ذلك فقد كتب بن بلوشي الجمل التالية على موقعه يوم وفاة كاداريه تعبّر عن رأي جيله مع صورة لكاداريه من ذلك اللقاء تنشر لأول مرة: "كان إسماعيل كاداريه يمتلك موهبة الوصف الجميل للأمور القبيحة، وهو ما جعله لا غنى عنه بالنسبة لنا، نحن الذين عشنا زمنا قبيحاً جداً. وحين أحاول أن أقارنه بأحد أرى أن إسماعيل كاداريه يعيش من نشر الأحلام. تخيّلوا في بلد مغلق ومتعب ومعزول ومدمر دونما أمل أن يكون هناك إنسان يكتب طيلة النهار والليل إلى أن يحل الصباح ليدخل بيوت الناس ويترك في ذهن كل واحد حلما مكتوبا. وهكذا هي كُتبه. إن هذا يكفي لكاتب أن يرحل بهدوء بعد أن أنجز عمله تجاه شعبه بشكل ممتاز".


* كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري

المساهمون