كتب الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز (1925-1995)، والمحلل النفسي فيليكس غواتري (1930-1992) بعض المؤلفات المشتركة من بينها "كافكا: نحو أدب ثانوي"، و"ما هي الفلسفة؟"، و"كتاب: الرأسمالية والفصام" وهذا الكتاب من جزأين؛ صدر الأول بعنوان "أوديب-مضاداً" (1972)، والثاني بعنوان "ألف هضبة" (1980)، قريباً يصدر الجزء الأول من "الرأسمالية والفصام: أوديب-مضاداً"، عن منشورات دار "الجمل" في بيروت، من ترجمة عبد العزيز العيادي.
عند صدوره، أثار "أوديب-مضاداً" ضجة كبيرة، واحتفي به على نطاق واسع حتى أن البعض يرى أنه أسهم في تغيير موضوعات الفلسفة المعاصرة، حيث يُنظر إلى الكتاب على أنه نص رئيسي في سياسات الرغبة، وقد وضع الكتاب مع كتاب المفكر فرانسوا ليوتار "الاقتصاد الليبيدوي" باعتبارهما السبب وراء تفكيك الحركة اللاكانية الفرنسية.
يحلل دولوز وغواتري علاقة الرغبة بالواقع من خلال الإنتاجية الذهنية لمرض الفصام والذهان، والتحولات الاجتماعية التي أحدثتها الرأسمالية؛ فيكتب الاثنان عن علم النفس والاقتصاد والمجتمع والفنون الإبداعية والأدب والحضارة والطب النفسي والأنثروبولوجيا والتاريخ في التعامل مع هذه الفكرة.
قام دولوز وغواتري بالكثير في هذا الكتاب، فقد حددا ما يعرف بـ "الطب النفسي المادي" المبني على مفهوم الرغبة في الإنتاج، وقدّما نقدًا للتحليل النفسي لفرويد الذي يركز بشكل خاص على عقدة أوديب، كما أعادا في الكتاب صياغة تفسير كارل ماركس المادي لتاريخ أنماط الإنتاج في المجتمع كتطور من خلال مجتمعات "بدائية واستبدادية ورأسمالية" زادت الظروف الاجتماعية التي يمكن تشبيهها بالفصام.
يتوقف الكتاب عند أفكار نيتشه حول إرادة القوة والتكرار الأبدي لها، فضلاً عن الدور الذي لعبه هذا العمل في وصف مرض انفصام الشخصية على أنه واسع وغير مرتبط بشيء خطي ومثبت في مكانه مما يدفع موضوعاته نحو سلوك ثوري لا يمكن التنبؤ به، حيث طوّر الكاتبان ممارسة نقدية أطلقا عليها اسم التحليل الفصامي.
في "أوديب- مضاداً" ينتقد دولوز وغواتري سبينوزا وكانط وفورييه ويونغ ولاكان، وشتراوس، وألتوسير، وفوكو، وفانون. كما يعتمدان في حديثهم عن الفصام على فنانين وكتّاب تظهر أعمالهم هذا المرض مثل أنطونان آرتو، وصمويل بيكيت، وجورج بوشنر، وصمويل بتلر، ودي إتش لورانس، وهنري ميلر، ومارسيل بروست، وآرثر رامبو، ودانييل بول شريبر، وأدولف فولفلي، وفاسلاف نيجينسكي، وجيرارد. دي نيرفال، وجي إم دبليو تيرنر.
الكتاب لقي الإعجاب حتى من الشخصيات التي انتقدها، فنجد فوكو يعلق عليه بوصفه "فناً" وليس مجرد كتاب، واعتبر أنه "أول كتاب أخلاقي يُكتب في فرنسا منذ وقت طويل جدًا"، واقترح أن هذا يفسر نجاحه الشعبي. اقترح فوكو أن الكتاب يمكن أن يسمى مقدمة إلى الحياة غير الفاشية. معتبراً أن الفاشية موجودة فينا جميعًا، في رؤوسنا وفي سلوكنا اليومي، الفاشية التي تجعلنا نحب السلطة.