أنيس صايغ.. المعرفة طريقاً لتحرير فلسطين

25 ديسمبر 2023
أنيس الصايغ (1931 - 2009)
+ الخط -

يرتبط اسم أنيس صايغ (يُصادف اليوم الاثنين، الخامس والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر، ذكرى رحيله) بمجموعة مشاريع بحثية موسوعية حول القضية الفلسطينية بدأها منذ عام 1966، مؤمناً بأن الحفاظ على الذاكرة والتاريخ لازمة للكفاح والمقاومة من أجل تحرير فلسطين، وأن المعرفة هي التي تؤسّس الأوطان.

خلاصة تُشكّل مدخلاً أساسياً لقراءة تجربة المؤرّخ الفلسطيني (1931 - 2009) الذي لا يُمكن فصل أفكاره عن سيرته الذاتية، وسماته الشخصية المتمثّلة بإخلاصه وتفانيه في كلّ تفاصيل حياته الخاصّة والعامة، وانتمائه لمبادئ وثوابت وطنية لا فصال حولها مهما تغيّرت اشتراطاتُ الواقع، وكلّما تقدّم به العمر تبدّى التزامه بتلك الثوابت.

تكوين شخصي ومهني جعله هدفاً للعدوّ الصهيوني حيث أرسل إليه في البداية طرداً ملغوماً أدّى انفجاره إلى بتر بعض أصابعه، وضعف حاسّتي السمع والبصر لديه، ليسترد بعد العلاج بعض بصره ونسبة من السمع بأذن واحدة، لكنّ طنين الأذن لازمه طول حياته.

تكوين شخصي ومهني جعله هدفاً للعدوّ الصهيوني الذي حاول اغتياله

ارتباط اسمه بـ"مركز الأبحاث الفلسطيني" الذي أنشأه شقيقه الباحث والسياسي فايز صايغ ثم تسلّم هو إدارته، وبـ"الموسوعة الفلسطينية" كان وثيقاً، في مرحلة لم تكن الظروف مواتية لمثل هذا المشروع كما يروي في سيرته "أنيس صايغ عن أنيس صايغ"، حين يشير إلى أن المشكلة الكبرى أمام الباحث في أي جانب من جوانب المسألة الفلسطينية، هي عدم توفر المصادر والمراجع الموثوقة، لا العربية ولا الأجنبية، إضافة إلى عدم وجود المراجع والوثائق "الإسرائيلية" واليهودية.

ويبيّن أن غالبية الدراسات التي وضعها باحثون عرب عن القضية الفلسطينية، وخاصة عن العدوّ الصهيوني، التي نُشرت في الوطن العربي بين مطلع القرن العشرين حتى الستينيات كانت تفتقر إلى هذه المراجع افتقاراً يعكس نفسه في شحّ المعلومات وضعف الرؤية وهشاشة التحليل، لافتاً إلى أن ذلك هو ما دعاه إلى أن يجعل قسم التوثيق في المركز محور العناية الأول لديه، سواء في موازنته أو في برامجه التطويرية، وفي تأمين العاملين ذوي الاختصاص.

وتمكّن صايغ الذي يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والتاريخ العربي من "جامعة كامبردج" البريطانية، خلال أقلّ من عشر سنوات أن يحقّق نجاحات تستحقّ التقدير، حيث ضمّت مكتبة "مركز الأبحاث الفلسطيني" أكثر من عشرين ألف عنوان بلغات متعدّدة، لتصبح أكبر متخصّصة فلسطينياً خارج فلسطين، بما تضمُّه من كتب ودراسات ووثائق وخرائط وإحصائيات وغيرها. 

ويلفت إلى أنه بين النصف الأول من عقد الستينيات، بدأ يحلم بإصدار موسوعة فلسطينية، التي صدر القسم الأول منها في منتصف الثمانينيات بمجلّداته الأربعة، مُفصّلاً رحلة طويلة وشاقّة في إعدادها إذ استغرق اختيار الموضوعات والباحثين والمدقّقين للقسم الأول مدّة طويلة، ولم يبدأ العمل الفعلي إلّا حوالي عام 1980، ذلك لأن مصادر هيئة الموسوعة حتى ذلك التاريخ كانت قليلة ومتباطئة، واعتمدت بشكل أساسي على التبرّعات، ناهيك عن تحدّيات أُخرى تتعلّق بالطباعة والتوزيع.

أصدر صايغ أكثر من عشرين مؤلّفاً في التاريخ والفكر والسياسية

صايغ الذي بدأ حياته قريباً من "الحزب القومي السوري" تحوّل منذ الخمسينيات إلى الفكر القومي العربي، الذي لا يعبّر عن توجّه سياسي وفكري فحسب، إذ يوضّح في سيرته بأن والده ذا الأصول السورية الحمصية ووالدته ذات الأصول اللبنانية، استقرّا وعاشا في طبريّا لمدّة عقدين تقريباً حتى هُجّرا منها إلى بيروت، ليجد نفسه فلسطينياً سورياً لبنانياً في آن، ويظلّ ذلك الانتماء المختلط لديه حاضراً حتى رحيله، لتبقى الحدود موضع سُخرية دائماً عنده.

الزهد والتواضع والبساطة التي ورثها صايغ عن عائلته العربية الفلسطينية المسيحية، كان لها دورها الكبير في انصرافه عن شواغل الدنيا وانكبابه على العلم والمعرفة، حيث يدوّن "الكتاب شيء مقدّس بالنسبة إليّ، لا يجوز التهاون ولا الاستخفاف ولا اللامبالاة ولا الإهمال ولا التسرّع به، لأنه الوعاء الذي يحمل المادّة الثقافية أو الإبداع الفكري أو الفني الذي هو أساساً أمرٌ مقدّس.."، ويضيف "ونصُّ المضمون هو الذي يُعطي الكتاب قيمته ويبرّر إصداره، لذلك فأنا لا أؤمن بالبذخ في الإخراج وفي نوع الورق والغلاف، ولا في استعمال أساليب من الزينة والتزويق والمحسّنات التي لا مبرّر لها ولا ضرورة لها. فالكتاب الجيّد لا يحتاج إلى رتوش وعمليات التجميل".

وفق هذه الرؤية، أصدر صايغ أكثر من عشرين مؤلّفاً، منها: "لبنان الطائفي"، و"الأسطول الحربي الأموي في البحر الأبيض المتوسط"، و"سورية في الأدب المصري القديم"، و"الفكرة العربية في مصر"، و"تطوّر المفهوم القومي عند العرب"، و"من فيصل الأول إلى جمال عبد الناصر: في مفهوم الزعامة السياسية"، و"الهاشميون والثورة العربية الكبرى"، و"الهاشميون وقضية فلسطين"، و"فلسطين والقومية العربية"، و"بلدانية فلسطين المحتلّة: 1948 – 1967"، و"المستعمرات الإسرائيلية منذ 67"، و"رجال الساسية الإسرائيليون"، و"13 أيلول: الخطأ والصواب - ذكريات العام 2000"، و"ملفّ الإرهاب الصهيوني"، و"الوصايا العشر للحركة الصهيونية"، و"نصف قرن من الأوهام"، بالإضافة إلى ترجماته والكتب التي ساهم في تحريرها.
 

المساهمون