قبل أيام فقط (في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الجاري)، انتُخب المؤرّخ الفرنسي أنطوان ليلتي أستاذاً يشغل كرسيّ "تاريخ الأنوار، من القرن الثامن عشر إلى القرن الحادي والعشرين" في "كولّج دو فرانس".
ويُعَدّ ليلتي، الذي لم يبلغ بعدُ الخمسين من العمر، من أصغر الأساتذة سنّاً في هذه المؤسّسة البحثية والتعليمية الفرنسية، كما أنّ مدوّنته لا تتجاوز، من ناحية العدد، خمسة كتب. غير أنّ كلّ هذا لم يكن عائقاً أمام تسميته أستاذاً لتاريخ لفترة الأنوار في "الكولّج"، وذلك بفضل إضافته الكبيرة إلى هذا التاريخ من خلال ما نشره من كتب ومقالات.
في سلسلة "بلورييل" لدى منشورات "فايار" في باريس، صدرت حديثاً طبعة جديدة لواحدٍ من أبرز كتب ليلتي: "اختراعُ الشُّهرة: 1750 ــ 1850"، والذي صدر للمرّة الأولى عام 2014.
يعود المؤلّف إلى ولادة ظاهرة النجومية والمشاهير قبل زمن السينما والتلفزيون، وتحديداً في القرن الثامن عشر، خلال عصر الأنوار. لكنّه يفضّل كلمة "اختراع" على "ولادة"، في إشارة إلى أن عملية دخول شخص ما حيّز النجومية لم تكن أمراً طبيعياً، بل نتيجة لما يسمّيه بـ"اقتصاد الشهرة"، أو "اقتصاد الفرجة"، وهو العامل الذي ساهم في تسليط الضوء على مشاهير المسرح والأوبرا في ذلك الزمان أكثر من غيرهم، عبر تداوُل أعمال حفرية أو "أفيشات" لهم ولأعمالهم أو منحوتات صغيرة حولهم. كما لعبت "الفضيحة"، في عالم الفرجة والسياسة، دوراً أساسياً في شهرة بعض نجوم الأنوار.
أمّا مثقّفو الكتابة والفكر، فقد كانت الصحافة هي الحامل الأساسيّ لشهرتهم، حيث تَرافق "اختراع النجومية" مع صعود نجم المنشورات الورقية في غرب أوروبا بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لتتحوّل الصحافة ــ بكلّ أنواعها: اليومية والأسبوعية، الأدبية والسياسية، الجادّة والساخرة ــ إلى ما يشبه "أفيون" الشعب، إذا ما أردنا الحديث مثل ماركس.
ويدين العديد من رموز الرومانتيكية الألمانية، مثل غوته، أو من رموز الفكر والكتابة والمسرح في فرنسا، مثل جان جاك روسو وفولتير، إلى الصحافة بشهرتهم التي يقول ليلتي إنها كانت تشبه شُهرة النجوم في يومنا هذا.
وإذا كانت الصحافة مدخل "عامة الشعب" إلى معرفة هؤلاء المؤلّفين، فإن الصالونات كانت وسيلة الطبقة البرجوازية للتقرّب منهم والاطّلاع على أعمالهم وشخصياتهم.
ويتناول المؤلّف ولادة مفهوم "المعجَب"، أو المشجّع"، أو بالأحرى المعجَب المتعصِّب (Fan)، في فترة الأنوار، حيث راح كثير من الناس يتعلّقون بشخص الكاتب أو المفكّر أو المسرحي أو حتى السياسي أكثر من تعلّقهم بإنتاجه وأعماله. وهو يميّز في هذا السياق بين هذا النمط الجديد من التشجيع وبين مفاهيم التذوّق والإعجاب القديمة؛ حيث يهتمّ المعجَب المتعصّب بخصوصية النجم الذي يحبّه، ويبحث عن تسليط الضوء على معرفته هذه حول دواخل حياة النجم؛ ولا يتردّد في ملاحقته من مسرح إلى آخر، وتحبير رسائل إليهم للتعبير عن حبّه، ورضاه عن هذه الفعلة، أو عدم رضاه عن تلك المقالة.
ومن الأفكار التي يتوقّف عندها أنطوان ليلتي في دراسته للنجومية، تمييزُه بين المجد والشهرة، ووصفه لـ"وحدة الشخص المشهور"، كما هو الحال مع جان جاك روسو، أو تعريجه على سلطة الشخص المشهور لدى الناس والدور السياسي والاجتماعي الذي كان يمكن له أن يلعبه.