في سيمنار "المرأة والتدين: كيف تشكّل التجارب الحية ممارساتهنّ وفهمهنّ للتدين"، الذي نظّمه عن بعد أمس الأربعاء "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، انطلقت الباحثة المصرية أمل حمادة من تنامي ظاهرة التديّن في المجتمع المصري منذ تسعينيات القرن الماضي، خاصة بين نساء الطبقة الوسطى المدينيات.
وأوضحت المحاضرة أن هناك موجة عكسية بدأت بعد عام 2011، شكلت انحساراً لهذه الظاهرة ضمن هذه الطبقة تحديداً، لكن مع بقاء فهم وترجمة مختلفة لفكرة التديّن والعلاقة مع المقدَّس، ما شكّل لديها تساؤلات حول إن كانت المرأة التي ارتدت الحجاب أصبحت أكثر تديّناً مقابل أن الذي خلعته هي على العكس من ذلك، وهل هناك معانٍ أخرى للتدين تمّ توليدها من الخبرات اليومية والحياتية.
وأشارت حمادة إلى أنها قامت بدراسة حول الفترة الممتّدة خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين عبر إجراء جملة من المقابلات المعمّقة مع أكثر من ثلاثين سيدة وفتاة من أجل التعرّف على السمات العامة والمشتركة في ما بينهن، تتراوح أعمارهن بين سنّ 18 وأربعين عاماً، وهن من أصول مدينية، وقد ولدن مسلمات إلا أن مواقفهن من الدين أخذت مسارات مختلفة.
درست المحاضِرة كيف تعرّف المرأة علاقتها بالمصادر الأساسية للإسلام، خاصة القرآن والسنة
كما بيّنت أن المشاركات في الدراسة أجبن على ثلاثة أسئلة رئيسية، أولّها كيف يعرّفن التديّن؟ وهل حصل هناك تحوّل في رؤيتهن لهذا التعريف، وكيف تمّ هذا التحوّل وما هي أسبابه؟ وكيف يعرّفن علاقتهن بالمصادر الأساسية للإسلام، وخصوصاً القرآن والسنة، لافتة إلى أن جميعهن أكدّن على ضرورة انعكاس الإيمان والصلة مع الخالق على السلوك البشري، بما يتوافق مع هدف الدراسة في فهم كول كيفية إنتاج المرأة للمعرفة من خلال خبراتها اليومية.
توقفت حمادة عند ثلاث خلاصات وصلت إليها، ومنها أن معظم اللواتي بقين على نفس سلوكهن في الحجاب والتعبّد بعد 2011، اختلفت معاني ممارساتهن كثيراً، ولم يعدن يتعاملن معها على نحو حاد، فعلى سبيل المثال لم يعد حكمهن على الأفراد "غير الملتزمين" دينياً مثلما كان سابقاً بأسلوب قاسٍ، وأصبح لديهن فهم مختلف حول أنماط التدين وأشكاله، وكذلك أصبحن أقلّ قسوة في الحكم على أنفسهن، وأكثر فهماً للهدف من ممارساتهن الدينية.
وتطرّفت أيضاً إلى اختلاف نظرة هؤلاء النساء إلى الخطاب الديني والمؤسسات الدينية، بدءاً من الرفض الكامل لفكرة قدسية المؤسسة الدينية وما تنتجه من خطابات، وصولاً إلى اعتبار أن هذه المؤسسة تصيب وتخطئ ولا يمكن التسليم بكلّ ما تنتجه من آراء ومواقف. ومن جهة أخرى، اكتشفت هؤلاء النساء، بحسب المحاضِرة، بعد سنة 2011، ممارسات للشعوب الإسلامية غير العربية من خلال التقدّم التكنولوجي في الاتصال، ما جعلهن يتعرّفن إلى نماذج أكثر رحابة وانفتاحاً وأخرى ربما أكثر تشدداً في النظرة إلى الإسلام، لكنهن بالنهاية اكتشفن عالمية الإسلام الذي تمثّله التفسيرات المختلفة لمسلمين في جميع أنحاء العالم، مع إبداء ارتياح أكبر حيال ثقافات الشعوب المسلمة غير العربية.
ونبّهت حمادة إلى أهمية الأحداث الذي شهدتها مصر والعالم العربي عام 2011، وأنها شكّلت لحظة مفصلية في إعادة فهم الذات، واكتشاف الحدود داخل البيت الواحد، حتى من قبل النساء اللواتي لم يشاركن في الاحتجاجات الشعبية لكنها أثّرت فيهن بشكل واضح في العلاقة مع الدين من الناحية الفردية والاجتماعية.
أما العلاقة مع المقدَّس، فلفتت إلى أن دراستها كشفت عن وجود تعريفات مختلفة للإيمان، ووجود آراء متعدّدة ومتنوعة بين الإيمان والإلحاد، تخرج عن هذه الثنائية، من خلال عودة النساء الذاتية إلى قراءة القرآن والمصادر الدينية، أو اهتمامهن أكثر بحقوق الإنسان، ما غيّر طبيعة هذه العلاقة مع المقدَّس.