ألفريدو جار.. رثاء لمجتمعاتنا المعاصرة

28 نوفمبر 2020
(من المعرض)
+ الخط -

يواجه المعماري والفنان الفوتوغرافي التشيلي ألفريدو جار (1956) فظائع العصر بدءاً من الدكتاتور أوغستو بينوشيه الذي حكم بلاده بالحديد والنار بعد انقلابه مدعوماً من الولايات المتحدة على الزعيم المنتخب سليفادرو أليندي، مروراً بجرائم الإبادة الجماعية في رواندا، وليس انتهاء بغرف التعذيب الأميركية.

يؤمن بأنه سيغيّر العالم لكنه يفشل دائماً، هكدا يصف تجربته، الذي يقدّم "غاليري توماس شولت" في برلين جانباً منها في معرض "رثاء الصور" الذي يتواصل حتى الثالث والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر الجاري.

كتب ذات مرة أن "العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد يظهر ببطء، وبين الظلمة والنور تُولد الوحوش"، بهذه الكلمات يتمسّك جار بمقاومته لتلك الكوارث التي تحاصر الإنسان المعاصر، ويمضي على هدي المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي الذي نظّر حول تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة.

المعرض يضمّ عملاً تركيبياً يتكوّن من هيكلين مصنّعين من الألومنيوم على هيئة طاولة، ويّعرضان في غرفة مظلمة، وتضمّ كل وحدة صندوق إضاءة بلاستيكياً أبيض شبه معتم يشعّ منه باستمرار ضوء عشرين مصباح نيون، وأحد الهيكلين مثبّت في السقف ومعلّق رأساً على عقب، مباشرة فوق الآخر، الذي يقف على الأرض أسفله، ويعكسه بدقة.

يبحث المعرض ما وراء الخسارات والتدمير المتواصل للثقافة

يعمل جار على إنزال هيكل الطاولة المعلقة بشكل مطرد عبر محرّك وأربعة كابلات باتجاه نظيرتها الثابتة، بحيث يلتقي مصدرا الضوء في النهاية ضمن عملية تستغرق حوالي دقيقة واحدة، ويسبق لحظة التقارب بينهما وميض شظية رقيقة من الضوء بينهما، قبل إلقاء مساحة العرض في الظلام لمدة ست دقائق تقريباً، ثم يتمّ عكس هذا الإجراء لاحقاً عندما تبدأ الطاولة الآلية في الارتفاع ، وينير الضوء المعرض تدريجياً مرّة أخرى، ويمكن للزائر الدخول إلى مساحة العرض للتفاعل مع العمل.

يشير الفنان إلى أن عمله يمثّل استعارة لعمى المجتمعات المعاصرة التي تغمره الصور حتى فقد أبناؤها القدرة على الرؤية والتأثّر بها، بسبب فيضان الصور التي تعرضها الحكومات والشركات حول العالم، موضحّاً أنه اختار "رثاء الصور" من قصيدة تحمل العنوان ذاته للشاعر النيجيري بن أوكري (1959) التي تحترق فيها الأقنعة والأيقونات الطقسية فتُنزع منها قوّتها، في سياق حديثه عن أفريقيا المنهوبة من الاستعمار. 

يبحث المعرض ما وراء الخسارات والتدمير المتواصل للثقافة، حيث لا يرى الزائر صوراً بالمطلق إنما يحسّ بأثر الفقد في عالمنا اليوم، ولم يعد للحدث أثر في نفس المتلقي ولم يعد باستطاعته التفاعل مع ما يجري حوله، ليشعر في النهاية باللامعنى لحياته المليئة بالخوف، مشكّكاً بالطريقة التي نستخدم بها الصور وكيفية استخدامنا لها.

يُذكر أن ألفريدو جار فنان ومعماري وصانع أفلام يقيم في مدينة نيويورك، وغالباً ما يدمج التصوير الفوتوغرافي ويغطي القضايا الاجتماعية والسياسية والحرب، ومن أبرزها مشروعه الذي عرضه عام 1994 ويصوّر ضحايا مجازر رواندا.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون