أصدقاء لغتنا: ملاك دينيز أوزدمير

09 يناير 2021
(ملاك دينيز أوزدمير، العربي الجديد)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. "يجب ألا يكون بين الثقافة العربية والثقافة التركية أية حدود، بحكم الثقافة التاريخية المشتركة" تقول المترجمة التركية لـ "العربي الجديد".


متى وكيف بدأت علاقتكِ باللغة العربية؟
بدأت علاقتي باللّغة العربيّة منذ طفولتي، فبحكم ولادتي في جنوب تركيا، كنتُ أسمع العربية من حولي، لأنها موجودة كما تعرفون في أكثر من مدينة جنوبية. إلا أنني لم أتعلّم العربية منذ الصغر، لأنّ أمي كانت ترى أن كثيراً ممن حولي يخلطون التركية بالعربية، فأرادت لي أن أتقن التركية وحدها منذ الصغر، ورغم محاولات أمي، شاءت الأقدار أن أصبح بعد ذلك مترجمة من اللغة العربية وإليها.

لقد بدأت علاقتي الحقيقية بالعربية بعد أن التحقت بقسم الأدب التركي في جامعة تشوكوروفا بمدينة أضنة، تعرّفت وقتها على اللغة العثمانية والعربية والفارسية. وفي تلك اللحظة بدأت أدرك مدى خسارتي لعدم تعلّم اللغة العربية حتى ذاك الوقت، وصرت عندما أعود إلى مدينتي أنطاكية في العطلة أجلس مع الكبار لأسمع منهم الحكايات والأغاني بالعربية، كما بدأت في البحث عن الأدب العربي المترجم إلى التركية، لكنني للأسف لم أجد إلا أعمالاً تُرجم أغلبها بشكل أكاديمي. ومن هنا بدأت أحلم باليوم الذي أقرأ فيه الأعمال الأدبية العربية بلغتها الأصلية. وبعد أن تعلّمت العربية المحكية، بدأت في دراسة الفصحى، وبلغ تعلّقي بهذه اللغة إلى درجة تغيير خطّة حياتي من إكمال دراسة الأدب التركي إلى الأدب العربي، وأجهّز نفسي الآن لدراسة الأدب العربي أكاديمياً في جامعة إسطنبول.

انطباعات نمطية من الأتراك حول الأدب العربي والعكس صحيح


ما أول كتاب ترجمتِه وكيف جرى تلقيه؟
أول كتاب ترجمته بشكل كامل هو "ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت" للروائي أورهان كمال، وصدر عن دار "المتوسط"، لكنني ترجمته بمشاركة أحمد زكريا، وهو كاتب ومترجم مصري مقيم في تركيا، ونعمل على كل الترجمات معاً. وعن تلقي الكتاب، أتصوّر أن يُقرأ حتى الآن بشكل معقول، وربما يعود ذلك لاهتمام القارئ العربي بناظم حكمت، وأتصوّر أيضاً أن هذا الكتاب يختلف عن كتب أخرى حول ناظم لأنه يُظهر الجوانب الإنسانية في حياته بعيداً عن الأساطير حوله. بالإضافة إلى علاقة أورهان كمال به وتوجيه ناظم له لكي يكتب الرواية، حتى أصبح فيما بعد بالفعل واحداً من أبرز الروائيين الأتراك.

غلاف الكتاب

ما هي آخر الترجمات التي نشرتِها، وماذا تترجمين الآن؟
آخر ترجمة قمنا بنشرها هي رواية "الشيطان الذي بداخلنا" للكاتب التركي صباح الدين علي. وهي رواية تعالج إشكاليات الأوساط الثقافية التركية في الأربعينيات، وصراعات اليمين واليسار آنذاك. ونعمل الآن على ترجمة رواية "فندق القسطنطينية" للروائي التركي زولفو ليفانلي، وتتناول تاريخ مدينة إسطنبول في عصور مختلفة. أما عن الترجمة من العربية إلى التركية، فإننا نعمل على ترجمة مختارات شعرية لأحد الشعراء العرب المعاصرين، لكنني أفضل الحديث عنها بعد الانتهاء من ترجمتها.


ما العقبات التي تواجهكِ كمترجمة من اللّغة العربيّة؟
العقبات الأساسية هي الاختلاف الكامل بين اللغة العربية واللغة التركية من ناحية التركيب، فالإضافة مثلاً تأتي في آخر الكلمة في اللغة التركية مثل الأفعال، على عكس اللغة العربية، وكذلك مسألة المؤنث والمذكر بالنسبة لي في اللغة العربية. كما أن هناك الكثير من الكلمات التي دخلت إلى التركية من العربية ولكن بمعنى مختلف، وهذه الكلمات تكون سبباً في بعض الأخطاء. والأهم من ذلك كله هو عدم توفر القواميس اللازمة في هذا المجال.

توجد عقبات في سياق آخر، مثل "الحكم المسبق"، فهناك انطباعات وتصوّرات نمطية من الأتراك حول الأدب العربي والعكس صحيح أيضاً. فأغلب الأتراك عندما يسمعون شيئاً يتعلق بالأدب العربي فإنه يرتبط في ذهنهم بالأمور الدينية الإسلامية فقط. وإذا نظرنا إلى العرب، حسب معرفتي، فإنهم ينظرون إلى الأمر من زاوية سياسية ودينية أيضاً. باختصار، الأتراك والعرب، رغم تاريخهم المشترك، فإنهم يتعرفون على أدب بعضهم البعض من خلال الوسيط الأوروبي، وأكبر مثال على ذلك، هو أورهان باموق. وبعيداً عن جائزة نوبل وضجيجها، فإنني أثق أن الأتراك لا ينظرون إليه بنفس الانبهار كما ينظر العرب. فهو مثلاً لا يُحسن استخدام اللغة التركية بشكل جيّد. وإليف شفق أيضاً تُترجم بشكل كبير في العالم العربي، رغم أنها في رأيي ليست كاتبة جيدة، ولا تعبّر عن هموم المجتمع التركي بشكل جيّد مثل كاتبات أخريات.

غلاف الكتاب

نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظرين إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟
إنني أرى أن الأدب العربي المترجم إلى التركية قليلٌ جداً أيضاً، وليس فقط الفكر العربي أو بقية الإنتاج المعرفي. ولا يمكن الجزم بأن الاهتمام مقتصر على الأدب. هناك ترجمات فكرية وتاريخية عربية ولكن داخل الأكاديميا، ولا تحظى للأسف هذه بالشهرة التي تستحق. وللأسف أيضاً، الكتب الفكرية لا تُقرأ إلا من قبل الباحثين المختصين، لكن الأدب يقرأه الجميع، وهذا ليس تقليل من شأن الأدب بالتأكيد، وهو مجال اختصاصي، فالأدب هو الذي يعكس روح الشعوب.

غلاف الكتاب

هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلعين إليه؟
ليس لدي أي تعاون مع أيّة مؤسسة عربيّة، ولكن في سياق الترجمة من العربية إلى التركية هناك تعاون جديد مع بعض المؤسسات التركية، ونحن الآن بصدد ترجمة رواية "الطوق والإسورة" للقاص والروائي المصري يحيى الطاهر عبد الله إلى التركية.


ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟
أتصوّر أن الأدب العربي ليس أدباً واحداً، فاللغة العربية هي لغة شعوب كثيرة في مصر وبلاد الشام والمغرب العربي وغيرها من البلدان، ويعكس لنا هذا الأدب الكثير عن هذه الشعوب. فهو أدب غني جداً لشعوب متعددة.

يجب ألا يكون بين الثقافة العربية والثقافة التركية أية حدود، بحكم الثقافة التاريخية المشتركة. وفي رأيي، يجب ألا تقتصر نظرة الأتراك إلى الثقافة العربية على الإسلام وحده.


بطاقة
Melek Deniz Özdemir ولدت عام 1994 في جنوب تركيا، تخرجت في قسم اللغة التركية وآدابها بجامعة تشكوروفا عام 2017. ترجمت عدة أعمال أدبية من التركية إلى العربية بالاشتراك مع أحمد زكريا، مثل: "ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت" لأورهان كمال، ورواية "غجر إسطنبول" لعثمان جمال قايجلي، ورواية "الشيطان الذي في داخلنا" لصباح الدين علي. وستصدر لها قريباً ترجمة رواية "أيام السلطان عبد الحميد الأخيرة" لناهد سري أوريك.

 

أصدقاء لغتنا
التحديثات الحية
المساهمون