استمع إلى الملخص
- روي تحصل على "جائزة PEN Pinter" تقديرًا لمواقفها المعارضة، مما يثير تساؤلات حول تأثير موقفها من فلسطين على قرار المنظمات الغربية بتكريمها.
- تشبيه روي للإبادة في غزة بالمحارق النازية وانتقادها للعلاقات الهندية الإسرائيلية يبرز التزامها بالقضايا التحررية ودور الأصوات المعارضة في تحدي الروايات السائدة.
تحضر فلسطين والموقف منها في فَهْم خلفيّات القرار الذي اتّخذته السُّلطات الهندية، منتصف الشهر الماضي، بحقّ الروائية والناشطة الهندية أروندتي روي (1961)؛ بمَنْح الإذن بـ مُقاضاتها على تصريحات تعود إلى عام 2010، وتناولت فيها إقليم كشمير وكونه "ليس جزءاً لا يتجزّأ من الهند".
صحيح أنّ القرار قد يُفهَم من وجهة نظر داخلية، ذلك لمواقف روي المعروفة بمعارضتها توجّهات حزب "بهارتيا جاناتا" (BJP) القومي المتطرّف، لكنّ تدقيقاً في الطريقة التي تُفكِّر بها الروائية يقول أيضاً إنّها لا تفصل بين الموقفَين الداخلي والأُممي؛ بين معارضتها حكومة ناريندرا مودي وبين مساندتها فلسطين. نقول هذا لأنّنا في سياق عربي نشهد الكثير الكثير من الفُصام، ليس كلّ من هو مع فلسطين يتجرّأ بنصف كلمة على نظام بلاده، وقُل الشيء نفسه عن مُعارضين يبدو أن لا شأن لهم بالإبادة!
تؤكّد أنّ الإبادة في غزّة هي اختبار للعالم الذي لا يحرّك ساكناً
نعود إلى روي، إذ وفي سياق حملة التحريض المُمنهَجة ضدّها، أُعلِن في السابع والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، مَنْحُ الروائية الهندية "جائزة PEN Pinter" البريطانية للعام الجاري، حيث أرجعت المنظّمة قرارها، وفقاً لما ورَد على لسان رئيستها روث بورثويك إلى أنّ "روي مُفكّرة أُممية، ولا ينبغي إسكاتُ صوتها القوي". والسؤال هنا: هل أخذت المنظّمة موقف روي من فلسطين بعَين الاعتبار حقّاً؟ أم أنّ الجائزة قد مُنِحت جرياً على عادة المنظّمات الغربية بتكريم "الأصوات المُعارضة"؟ نقول هذا لأننا في سياق غربي نشهد الكثير الكثير من الفُصام.
عموماً ليست الجائزة موضوعنا، فما يهمّنا هو تلك النظرة المُركّبة التي تنظر فيها روي للسياسات والوقائع. وربّما أكثر ما كشَف عن تلك النظرة هو البيان الذي صدّرته في آذار/ مارس الماضي، بعنوان "عن غزّة.. لن يتكرّر مرّة أُخرى" (جاءت عبارة لن يتكرّر مشطوبة للدلالة بأنّه لم يبقَ شيء من الشعار الذي وعَد بعدم تكرار الهولوكوست النازي) وقُرِئ ضمن اجتماع "العمّال ضدّ الفصل العنصري والإبادة الجماعية في غزّة"، في "نادي الصحافة" بنيودلهي. دلالاتُ البيان واضحة، الإبادة الصهيونية في غزّة هي هي المحارق النازية التي ارتُكبت بحقّ اليهود. ثم تتساءل: "ماذا عن بلادنا؟"، لتُجيب: "من المعروف أنّ رئيس وزرائنا صديق حميم لبنيامين نتنياهو"، كما لا تقتصر على التنديد بالإبادة، بل تُذكّر بمُعاملة "إسرائيل" العنصرية للعمّال الهنود الذين استقدمتهم بدلاً عن الفلسطينيّين بعد السابع من أكتوبر.
لا شكّ في أنّ قلقاً يعتري الأوساط التحرُّرية، العربية والهنديّة على حدّ سواء، نجَم عن التغيّرات التي شهدتها الهند، وتقاربها السياسي مع الصهيونية، فهل اختُطف بلدُ غاندي منّا؟ هذا التقارب هو ما تُنبّه إلى خطره أسماء تقدّمية هندية مثل أمريت ويلسون (1941) التي تقرأه ضمن "صعود الفاشيّات الجديدة حول العالَم"، وأروندتي روي التي زارت بيروت الشهر الماضي، قبل إصدار ذلك القرار التحريضي ضدّها بأيّام قليلة، حيث أكّدت خلال لقاء عُقد في العاشر من حزيران/ يونيو الماضي وحاوَرها فيه المُؤرّخ فواز طرابلسي، ثلاثَ كلمات تُوصِّف المشهد: الفصل العنصري والاحتلال والإبادة، وأنّ "إسرائيل ترتكب هذه الأمور الثلاثة، وكلّ من يدعمها هو مشاركٌ في هذه الجرائم، وأنّ ما يحدث في غزّة هو اختبار للعالم أجمع، الذي يُشاهد هذه الإبادة ولا يُحرّك ساكناً".