أخذني الطفلُ الصغير

30 يونيو 2024
طفلٌ فلسطيني في مخيّم بخانيونس في غزّة، 19 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الطفل الصغير يأخذ الراوي في رحلة خيالية عبر الزمان والمكان، مستكشفًا مواضيع متنوعة من التاريخ، الحضارات، والطبيعة، مثل الأهرامات، روما، وفلسطين، ويطرح أسئلة فلسفية عميقة.
- في كل محطة من محطات رحلتهما، يسأل الطفل الراوي عن مفاهيم معقدة مثل الوقت، الحياة، والموت، وكذلك عن الأمل والهوية، مما يدفع الراوي للتأمل في الوجود ومعانيه المختلفة.
- الرحلة تكشف عن البحث الإنساني المستمر عن الحقيقة والمعنى، من خلال الأسئلة البريئة للطفل والتي تحمل أعماقًا فلسفية، مخلفةً انطباعًا عن الحكمة التي يمكن أن تأتي من أبسط الأسئلة وأكثرها صدقًا.

أخذني الطفلُ الصغيرُ إلى مكانٍ لا أعرفه سوى أنّ فيه كتباً مدرسيةً قديمةً وأوقفني عند سدرةٍ عاليةٍ وسألني ما هو البدءُ.

■ ■ ■

أخذني الطفلُ الصغيرُ إلى الساعة. كانت في ساحةٍ كبيرةٍ في وسط مدينةٍ مهمومةٍ وسألَني ما هي الساعة.

■ ■ ■

أخذني الطفلُ الصغيرُ وأوقفني عند الأهرامات الثلاثة. حدّثني عن الذهب والرؤيا وطوينا صحارى في غمضة عين وهو يُمسك يدي بيده الطيّبة.

■ ■ ■

أخذني الطفلُ الصغيرُ إلى أحداثٍ حدثت قبل ولادتي وولادته. أخذني إلى جبهات القتال وسألني عن الشهيد وخوذته، عن الشهيد وعينيه الباسمتين.

■ ■ ■

أخذني الطفلُ الصغيرُ إلى وردةٍ كبيرةٍ ينام في ظلِّها رحّالةٌ من عصر البنفسج؛ وسألني عن ضحكة البنفسج الطفولية.

■ ■ ■

أخذني الطفلُ الصغيرُ إلى روما وسألني عن الحرائق. هبطنا مدينةً كانت تلتهبُ في وعيها الضائع.

■ ■ ■

أخذني الطفلُ الصغيرُ إلى فلسطين. لوَّح سعيداً للعصافير والفلاحين والزيتون وأشار إلى جدارٍ مكتوبٌ عليه: هذه أرضي.

■ ■ ■

أخذني الطفلُ الصغيرُ إلى الجسر الهلالي وسألني عن رحلة الطير في عينيَّ؛ سألني عن العمارة المفقودة وعن أثرٍ للعرب الطيِّبين الذين كانوا هنا.

■ ■ ■

أخذني الطفلُ الصغيرُ إلى مكتبةٍ حيث بحث بورخيس عن المرايا والرؤيا والأقمار المخفيّة في الروح وسألني عن المرآة والأُمّ والرَّحِم.

■ ■ ■

أخذني الطفلُ الصغيرُ إلى الأنهر التي جفّت، إلى الشعر الذي ضاع، إلى الهويّة التي سمعتُ أغانيها في شبابي حيث كنتُ طيّباً مثل كلِّ الضحايا.

■ ■ ■

أخذني الطفلُ الصغيرُ إلى شجرة البرتقال وأوقفني عند ضوئها الحزين وحرّر لي برتقالةً من جدار قديم.

■ ■ ■

أخذني الطفلُ الصغيرُ إلى الطيور والبحيرة والحبر والسعادة وأراني نارسيسَ الذي كنتُه وأراني الوعي الذي لم أصل بعد إلى جذره.

■ ■ ■

أمسك الطفلُ الصغيرُ بيدي بقوّةٍ وسألني عمّ يحدث بعد الموت؛ وكان جوابي برتقالةً حرّرها لي من شجرةٍ في زقاقٍ مُظلِم.


* شاعر من الأهواز

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون