صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "القدرة التنافسية للأعمال والازدهار الاقتصادي المستدام في البلدان العربية" لأستاذ التنمية الاقتصادية واقتصاديات الفقر أحمد فتحي عبد المجيد قاسم.
ينطلق الكتاب من التحديات والأزمات السياسية والاقتصادية المتعاقبة التي واجهها الاقتصاد العالمي، وتبلورت في اتجاه عدم اليقين في الأسواق العالمية وتباطؤ النمو الاقتصادي، فضلًا عن التأثيرات الاجتماعية والتشوهات الحاصلة في نوعية المؤسسات السياسية والسياسات الاقتصادية، وتأثير ذلك كله في إضعاف القدرة التنافسية والازدهار الاقتصادي المتحقق في الاقتصادات النامية (العربية) بصفة خاصة، إذ تطلّب الأمر من صناع القرار ورجال الأعمال والاقتصاد إدارة هذه التحديات، وتحسين صياغة السياسات الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية والمؤسسية وتعزيز الإنتاجية والقدرة التنافسية واستدامتها، ولا سيما أن الهدف الرئيس للقدرة التنافسية يتمثل في تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية المستدامة بصفتهما شرطين لخفض الفقر وتحسين مستويات المعيشة والرفاه الاقتصادي.
ينظر المؤلف إلى "القدرة التنافسية" باعتبارها واحدًا من المفاهيم المربِكة التي يكتنفها نوع من الضبابية؛ لأنه يُعَدّ مفهومًا متداخلًا بين التحليلات الاقتصادية الجزئية (تحليلات المنشأة) والتحليلات الاقتصادية الكلية. واستعمال هذا المصطلح مع مفاهيم أخرى، مثل "الإنتاجية" و"الابتكار" و"حصة السوق"، في ظل تداخل المؤشرات والمتغيرات المفسرة للقدرة التنافسية وتنوعها، أضفى على مفهوم القدرة التنافسية تعريفات عديدة عكست النظريات الاقتصادية والبحوث والأدبيات والمفاهيم المتعلقة بالقدرة التنافسية. وهو ما جعل مسألة تحديد تعريف شامل ومحدد للقدرة التنافسية تلاقي نوعًا من الصعوبة والتعقيد، ولا سيما أن العديد من الكتّاب عدّوا القدرة التنافسية نظرية متعددة الأبعاد وذات مستويات مختلفة، بين القومية والإقليمية والمحلية والصناعية والقطاعية، فضلًا عن الشركات أو المنشآت.
ينطلق نشوء مفهوم القدرة التنافسية وتطوره، بحسب الكتاب، من عرض الخلفية الأدبية للنظريات الكلاسيكية والنيوكلاسيكية والكينزية، ونظريات اقتصاديات التنمية، ونظريات النمو الحديثة في تحديد الإطار العام لهذا المفهوم. ففي حين يركز المنهج الكلاسيكي على القدرة التنافسية على المستوى الكلي (الدولي والإقليمي والقطري)، يركز المنهج النيوكلاسيكي على هذا المفهوم في إطار الاقتصاد الجزئي.
ويشير إلى أن مصطلح القدرة التنافسية لا يزال يواجه المشكلات من ناحية المفهوم والقياس؛ إذ لا نجد تعريفًا شاملًا ودقيقًا لهذا المفهوم، فضلًا عن المشكلات البحثية الأخرى المتعلقة بالتفاوت الكبير في محددات القدرة التنافسية بحسب الزمان والمكان. لذلك، فإن هناك حاجة إلى تعريف شامل للقدرة التنافسية، ليتسنّى قياس الموقف التنافسي للمنظمة على النحو الذي يسمح بمقارنة موقفها التنافسي ضد منافسيها، وإلا فإنه من الخطورة القصوى بناء استراتيجيا مؤسسية (على المستوى الجزئي) وسياسة اقتصادية كلية، في إطار مفهوم غير متبلور وقابل للتأويل.
ويوضح بأن تحقيق مستوى متقدم من القدرة التنافسية للشركة يتطلب استخدام المصادر المتعددة للتنافسية، وإنشاء استراتيجيا وتطبيق إجراءاتها بتسلسل، وتحديد آلية التعامل مع المنافسين، وتحديد التأثيرات الإيجابية والسلبية للظواهر الخارجية التي أنشأتها البيئة الكلية وبيئة السوق، فضلًا عن تحديد قدرات الشركة وإمكاناتها الداخلية على التكيف مع تلك البيئات، وتأثيرها في فاعلية أداء الشركات في السوق، وتحديد الموارد والقدرات التنافسية للشركات (تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات، من خلال اختيار الاستراتيجيا القائمة على تحديد نقاط القوة للشركة والاستفادة من الفرص، وعدم استخدام الموارد والقدرات غير التنافسية (نقاط ضعف) وتجنب المخاطر التي تظهر في بيئتها.
ويخلص المؤلّف إلى أن التأثيرات الإيجابية في الإنتاجية الوطنية والتحسينات الاقتصادية تتطلب تحسين مجموعة العوامل المترابطة، وعدم الاكتفاء في التأثير بعنصر واحد أو عنصرين من العوامل المؤثرة في الإنتاجية. لذلك، عزلِت بعض العوامل التي تعدّ أكثر كفاءة في تحقيق مستوى الإنتاجية والازدهار في البلدان العربية، والتي ستمثل مؤشرات أساسية لفهم نقاط القوة والضعف في تأثيراتها الاقتصادية، ولتمثل أدوات رئيسة لصنّاع السياسة الاقتصادية في اتخاذ القرارات الاقتصادية السليمة في هذه البلدان، من خلال تحليل الكتل البنيوية الأساسية التي تمارس تأثيراتها في الإنتاجية والازدهار الاقتصادي، والتي تتمثل أولًا، في الهبات؛ ثانيًا، في القدرة التنافسية للاقتصاد الجزئي؛ ثالثًا، في القدرة التنافسية للاقتصاد الكلي.